السقوط العظيم

السقوط العظيم

وكان سقوطه عظيمًا
استيقظت "آمال" في الثامنة صباحًا، فاليوم هو الخميس الموافق 28-1-1993م، آخر أيام إجازة نصف العام. وأثناء تناول الإفطار، كانت تتزاحم في عقلها الأفكار.
في الواقع كانت هناك فكرتان، تتصارعان في ذهنها السارح: الأولى هي "الثانوية العامة" التي مضى منها نصف عام، وهل ستحقق التفوق الذي حققته في السنين الماضية، ولا سيما أنها الأولى دون منافس في إحدى مدارس اللغات بمصر الجديدة!
أما الفكرة الثانية فهي ما قاله الخبراء عن التشققات في أساسات البناية التي تسكن فيها، وما فعله أغلب الجيران في الشقق البالغ عددها 24 شقة، حيث رحل الكثير استجابة للتحذيرات بأن المبنى مُهدد بالانهيار في أية لحظة!
وفجأة راودتها فكرة أخذت تلح عليها مرة بعد الأخرى: لماذا لا تخرج اليوم لتذهب عند زميلتها لتذاكر معها؟ وبهذا تكون قد حققت غرضين: الأول هو الهروب من الخطر، والثاني هو مشاركة صديقتها التي عاتبتها كثيرًا بأنها لا تبادلها الزيارات!
لكن "آمال" رفضت الفكرة لأنها لا تريد ضياع أية دقيقة، فالتفوق أهم من الصداقة في نظرها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لأنها ترفض التحذير والخوف. فهل يمكن أن تخاف وهي تأمل أن تلتحق بكلية الطب؟ كلا! ثم قالت لنفسها:
- «ستكون عندي فرصة لمغادرة المكان، لو شعرت بأي اهتزاز في الحجرة، فأنا أسكن في الطابق الثاني».
قامت عن المائدة وتمكنت بصعوبة من مقاومة مخاوفها، ودخلت مكتبها وفتحت كتبها، فهذا هو الميدان الوحيد للنجاح في نظرها، و .. حينما كانت عقارب الساعة تُشير إلى الواحدة إلا الربع ظهرًا، كانت سحب الأتربة تعلو نحو السماء، وصوت الانهيار يفوق أعلى انفجار. ومع الآلاف الذين تجمعوا من بعيد والأسى يملؤهم وهم يشاهدون هذه العمارة المنهارة في لحظة دون فرصة أخرى لخروج من بها، رأيت العربات التي كانت أسفل هذا المبنى وقد أصبحت قطعًا من الصفيح مستوية تمامًا بالأرض، وهز كياني هذا الأب الذي كان يحفر بيديه في جبال الأطلال وهو لا ينتظر البلدوزرات التي جاءت لرفع الأنقاض!
ولكن أين "آمال"؟ .. بل أين الآمال؟ لقد قُطفت تلك الزهرة من الشجرة، ودُفنت كتب الأحياء مع الذكاء، وتحطمت الأقلام مع الأحلام. وهي لن تدخل كلية الطب لأنها نزلت إلى الجُبّ حيث صمتت مسائل الجبر داخل القبر. أين سلام الأوهام الذي تمسكت به رغم التحذير؟ يا له من سوء تقدير! لقد استعدت للثانوية العامة .. فهل استعدت بالأولَى للدينونة القادمة؟
صديقي الشاب .. صديقتي الشابة، إن العالم الذي نعيش فيه ليس أكثر أمانًا من تلك العمارة التي صارت منهارة. فالله الذي صوته زعزع الأرض حينئذٍ (أيام نزول الناموس)، قد وعد قائلاً: {«إني مرة أيضًا أزلزل لا الأرض فقط بل السماء أيضًا». فقوله «مرة أيضًا» يدل على تغير الأشياء المتزعزعة كمصنوعة لكي تبقى التي لا تتزعزع} (عبرانيين26:12 ،27).
انظر إلى العالم، وستجد فيه وسائل احتراقه؛ فالحروب مشتعلة في كل مكان، وأسلحة الدمار الشامل إن انطلقت فستحرق الكرة الأرضية مرات ومرات.
فكر في الأوبئة .. هل وجدوا علاجًا للإيدز والسرطان؟ لقد أخبرَنا الكتاب المقدس أن العالم مُجهز للنيران (2بطرس10:3)، فهل تهرُب إلى المسيح، الملجإ الوحيد، فـ {الساكن في ستر العلي في ظل القدير يبيت ... بخوافيه يظللك وتحت أجنحته تحتمي} (مزمور1:91 ،4).
أخاف عليك أن تبقى في البيت الذي سيسقط. فلقد قال الرب يسوع {«كل من يسمع أقوالي ولا يعمل بها يُشبه رجلاً جاهلاً بنى بيته على الرمل، فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبت الرياح وصدمت ذلك البيت فسقط، وكان سقوطه عظيمًا»} (متى26:8 ،27). فإن سمعت كلمات الرب يسوع ولم تتحذر بها، فأنت بكل تأكيد تسكن عمارة الموت التي ستنهار، ربما تلك الليلة أو ذاك النهار. لذلك حذار من التأجيل، وعليك بالتعجيل، لأن صوت الله الجليل يقول لك: {«في وقت مقبول سمعتك وفي يوم خلاص أعنتك، هوذا الآن يوم خلاص»} (2كورنثوس 2:6). دعنا مرة أخرى نتذكر "آمال" التي دُفنت مع الآمال ..
عزيزي هل آمالك تمنعك من قبول المسيح في حياتك؟ ليس من الخطإ أن يكون لديك طموح، ولكن كل الخطر أن يعطلك هذا الطموح عن الاحتماء في الجنب المجروح لهذا الخروف المذبوح، المسيح الفادي الذي فيه: لا انهيار ولا أقدار، أو حتى أعمال الأشرار، يمكن أن تؤثر على السلام و الاستقرار.
وأخيرًا، أرجوك ألا تنسى الفرق الكبير بين الاستبسال والاستهتار، فمن يفعلون ما فعلته "آمال" ليسوا من الأبطال، ولكنهم سيكونون يومًا ضحايا الإهمال، وهم يبنون بيوتهم على الرمال، وحتمًا ستصير أطلالاً، حتى بدون زلزال.
فأرجوك - بل وأدعوك - لأجل نفسك الخالدة، أن تأتيَ إلى المسيح الآن واهرب لحياتك .. لئلا تهلك (تكوين17:19) واركع مصليًا معي من قلبك:
أومن يا رب يسوع أن العالم منهار وسينهار
وأنت القدوس البار
الذي مُت لتخلص الأشرار
فها أنا أترك العالم الآن
وأحتمي فيك يا فُلك الأمان ..
آمين.
زكريا استاورو
 

التعليقـــات


بحث الموقع
Loading
اكثر 5 قصص فراءة
اكثر 5 قصص مشاهدة
جديد القصص