روشتة الحياة
حكي د. ل. موير في كتابة الشهير (الإنجيل في آية) تلك القصة الحقيقية التي حدثت منذ سنوات : عندما ظل ذلك الشاب القاضي العادل و العاطفي أيضا و الذي كان يعيش في إحدى الولايات الجنوبية في أمريكا,ظل يحب خطيبته محبة صادقة وعميقة , و لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ,فاختلاف وجهات النظر و التباين في شخصياتهما جعلهما كثيرا التشاحن و الشجار حتى جاءت اللحظة التي أدركت الخطيبة فيها استحالة الاستمرار مع القاضي خطيبها رغم محبتها له , فأعطته خاتم الخطبة و سافرت بعيدا ,و كم من المرات حاول معها أن تعود إليه لكنها رفضت بشده لأنها علمت أن الفراق النهائي ليس في مصلحتها هي فقط و لكن في مصلحة خطيبها أيضا, أما القاضي العاطفي فبعد محاولات النسيان و الحرمان و الترك لم يستطع أن ينسى خطيبته التي كان يحبها بإخلاص , فأتجه للخمور و الأقراص المخدرة لعله ينسى أو علي الأقل يقوي علي الفراق و لكن كلا فظلت جراحة الداخلية عميقة و غائرة و هو يتألم لأنه ظل يحب خطيبته بينما هي مصرة علي تركه ,و في تلك الأثناء انتشرت الحمى في المقاطعة التي كان يقطنها فانتقل إلي مدينة ساندهل و خصص كل جهوده و أمواله في خدمة المرضى ظانا أن انشغاله في مداواة مرض الآخرين سيساعد في التأم الجراح الداخلية له هو, و لكن للأسف الشديد فبدل من الشفاء ذاد الشقاء إذ انتقلت إليه عدوى الحمى و المرض و تدهورت صحته بسرعة و قارب الموت, وعند مرضه كان موضوع كان هذا القاضي حديث جميع سكان المقاطعة لأجل الخدمات الكثيرة التي قدمها للناس, لكن القليل من الناس هم الذين كانوا يعرفون السبب الحقيقي لمرضه الذي كاد يفتك به و يعرفون سبب أحزانه الكثيرة, و من هؤلاء القليلين الطبيب الذي كان يشرف علي علاجه و كان علي علم تام بموضوع فشل خطوبته بل كان علي معرفة أيضا بخطيبة القاضي السابقة.
سافر الطبيب الشيخ إلى الخطيبة السابقة و عرفها أن القاضي مريض و إنه على وشك أن يغادر الحياة في ساندهل فقابلت الخبر بفتور شديد و عرفته أنها سمعت بمرضه من قبل,ثم سألت عن حالته بإيجاز و على استحياء فقال لها الطبيب: أن خطيبك السابق قد أجتاز مرحلة الخطر و لكنه موشك على الموت المحتم القريب! فاستعجبت الخطيبة من هذا الرد و سألت الطبيب قائلة :لست أفهم فكيف انه تعافي و أجتاز مرحلة الخطر و في ذات الوقت يوشك علي الموت ! فأجابها الطبيب الوقور : أيتها الفتاة القاسية القلب و العواطف ألا تعلمين مرضه الحقيقي؟ أن خطيبك يموت ليس بسبب الوباء و لكن بسبب قلبه المحطم الذي مازال يحبك! سالت الدموع بغزارة من عيني الفتاة و قالت للطبيب :سيدي الدكتور هل تأتي معي إليه ؟و اشترت سريعا أجمل و أرق باقة زهور كانت تعلم إنه يفضل ألوانها و أنواعها ووضعت عليها كارت و كتبت عليه أسمها المدلل الذي كان القاضي يناديها به في أوقات الخطبة و تبادل المحبة ,و كتبت هذه العبارة (مع محبتي من كل قلبي) ثم طلبت من الطبيب أن يكون حاضرا وقت وصول باقة الورد.
مد القاضي المعتل يده المرتعشة إلي الباقة و نزع الكارت و لم يصدق عينيه و هو يقرأ اسمها و قال للطبيب :أخبرني بصدق يا دكتور هل هي التي أحضرت الباقة أم هي محاولة لتشجيعي؟ فأكد له الطبيب أنها هي , و تحقق فكر الطبيب فتماثل القاضي للشفاء بسرعة مذهلة و في اليوم التالي تعافي تماما و كان على كرسييه و في اليوم الخامس عقد زفافهما السعيد في مدينة فلوريدا ! وظلا أسعد زوجين طوال الحياة ,نعم إنها المحبة روشتة هذه الحياة المريضة .
صديقي صديقتي : أن الإنسان ,كل إنسان مريض كما قال النبي أشعياء, تَزْدَادُونَ زَيَغَاناً! كُلُّ الرَّأْسِ مَرِيضٌ وَكُلُّ الْقَلْبِ سَقِيمٌ. مِنْ أَسْفَلِ الْقَدَمِ إِلَى الرَّأْسِ لَيْسَ فِيهِ صِحَّةٌ بَلْ جُرْحٌ وَأَحْبَاطٌ وَضَرْبَةٌ طَرِيَّةٌ لَمْ تُعْصَرْ وَلَمْ تُعْصَبْ وَلَمْ تُلَيَّنْ بِالزَّيْتِ (أشعياء5:1و6) مريض بالخطية و يحتاج لا إلي محاولات بشرية تشغله و تنسيه احتياجه للمحبة الإلهية , كما حاول هذا القاضي و فشل أن ينسى حتى احتياجه لمحبة أرضية و لكن كل إنسان يحتاج إلي محبة الله التي ظهرت بأوضح بيان في صليب المسيح ,لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ للَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ لأَبَدِيَّةُ. (يوحنا16:3) فأن قبلت هذه المحبة تمتعت بها و بالشفاء الروحي العجيب فمكتوب: الَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ، لِكَيْ نَمُوتَ عَنِ الْخَطَايَا فَنَحْيَا لِلْبِرِّ. الَّذِي بِجَلْدَتِهِ شُفِيتُمْ (1بطرس24:3) و عندما تشفيني محبة المسيح ستكون موضوع انشغالي الأول فتحصرني ,فنقول مع الرسول بولس : لأَنَّنَا إِنْ صِرْنَا مُخْتَلِّينَ فَلِلَّهِ، أَوْ كُنَّا عَاقِلِينَ فَلَكُمْ. لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ تَحْصُرُنَا. إِذْ نَحْنُ نَحْسِبُ هَذَا: أَنَّهُ إِنْ كَانَ وَاحِدٌ قَدْ مَاتَ لأَجْلِ لْجَمِيعِ. فَالْجَمِيعُ إِذاً مَاتُوا (2كورنثوس13:5و14) و نصير مرضي بهذه المحبة هذا المرض الوحيد الحميد و المجيد و الذي يجعلنا دائما في عيد نقول الأناشيد مع عروس النشيد : وَعَلَمُهُ فَوْقِي مَحَبَّةٌ. أَسْنِدُونِي بِأَقْرَاصِ الزَّبِيبِ. أَنْعِشُونِي بِالتُّفَّاحِ فَإِنِّي مَرِيضَةٌ حُبّاً(نشيد الأنشاد4:2و5) هناك صورة مشهورة تمثل المسيح معلقا على الصليب بين نصفي الكرة الأرضية و هو يجول بنظرة إلي العالم الذي مات لأجله و قطرات الدم تتساقط من يديه على كل قارة و جزيرة و تحت الصورة مكتوب بثلاث لغات, لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ للَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ لأَبَدِيَّةُ. (يوحنا16:3)
فهل تقبل الآن من الرب لا باقة زهور فقط بل أجمل قصة حب تكلفتها موت المسيح لأجلي و لأجلك على الصليب , اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا (رومية8:5) و تصلي معي الآن
صلاة :يا من وحدك تعرف جراح و أتراح القلب ,لأنك مصدر الأفراح و الارتياح و صدق الحب, أقبل حبك و ارتمي في أحضانك يا أرق أب ,فحبك يحصرني واعترف بسيادتك يا أحن رب. أمين
زكريا استاورو