المنقذ مازال حيًا
بعد أن التحق الاخوان "وليم" و"إدوارد سبنسر" بالجامعة بمدينة "ايفانستون" بشمال شيكاغو بالولايات المتحدة الامريكية، سمع الطلاب ذات يوم بأن سفينة تغرق قرب "ايفانستون"، فهرع الكثير من الطلاب إلى الشاطئ وحقا كان المنظر مُرعبًا والصرخات الرهيبة للغرقى تدوي في كل مكان.
تأثر "إدوارد سبنسر" ودُون تردد أو تاخير قرر إنقاذ ما يمكن إنقاذه؛ فربطوه بحبل في وسطه وظل ينقذ الغرقى بحب وجدية ومهارة فائقة، فأنقذ واحدًا، واثنين، حتى العاشر، وعندها خارت قواه. وأخذ رفاقه يشعلون النار لتدفئته ولكنه لاحظ رؤوسًا تتحرك وسط الأمواج الثائرة، ورغم تحذيرات رفاقه له ألقى بنفسه في المياه واستمر ينقذ الحادي عشر حتى الرابع عشر، وبعدها ارتمى على الشاطئ في إعياء شديد. وبينما هو هكذا رأى رأس رجل وامرأة في قلب الامواج فقال:
- «آه .. إنهما يحاولان النجاه، فعيب عليَّ أن أظل هكذا»
وقفز في المياه وجاء بهما. وارتمى على الشاطئ مغشيًا عليه مصابا بحمى. ولقد سمعه أخوه "وليم" - وهو بجواره بالمستشفى - وهو يهذي ويقول:
- «آه يا الهي .. كان يمكن أن أنقذ نفوسًا أكثر .. أين باقي ركاب السفينة؟ أين هم؟ لقد غاصوا في أعماق المحيط .. آه يا إلهي .. كيف أقابلك وأنا لم أنقذ الباقين؟»
ولقد بارك الرب عمل "إدوارد سبنسر"؛ فعندما قص الخادم المعروف "ر. ا. توري" هذه القصة وهو يخدم في "ليفربول" بانجلترا، وقف 100 شاب وكرسوا أنفسهم بالتمام لخدمة الرب يسوع لانقاذ النفوس من الغرق في بحيرة النار والكبريت. وبينما هو يحكي نفس القصة في "لوس انجلوس" بأمريكا، همس الأخ الذي كان يجلس على المنبر بجوار "توري" قائلاً:
- «إن "إدوارد سبنسر" مازال على قيد الحياة، وهو هنا في هذا الاجتماع!». فقال "توري":
- «سعادتي بالغة أن أعرف أن "إدوارد سبنسر" مازال على قيد الحياة، وأنه من الحضور الآن في الاجتماع، وأعتذر عن خطإي لأني قلت أن "إدوارد سبنسر" مات بسبب مرضه الذي نتج عن انقاذه الغرقى الستة عشر. آسف! هذا ما كنت أعرفه. ولكن مجدًا للرب أن المنقذ ما زال حيًا»
وطلب من "إدوارد" أن يتقدم ليراه هو والحضور، ولما أُعطيت الكلمة "لإدوارد سبنسر" قال في تواضع شديد:
- «حدثت هذه القصة منذ 48 سنة وشهرين، وإن كنت لم أتفرغ بعد للخدمة كخادم كلمة متفرغ، ولكني أخدم الرب وأشهد له بحياتي واختباري»
وما أن أنهى "إدوارد سبنسر" كلامه، حتى تقدم عدد كبير من الشبان والشابات ليعلنوا تكريس حياتهم لخدمة الرب لإنقاذ النفس من بحيرة النار والكبريت.
القارئ العزيز .. إن "إدوارد سبنسر" ضحى وقارب الموت لأجل 16 إنسانًا، لينقذهم من الغرق في أعماق المحيط، وإن كان قد تعب وتألم جدًا، ولكن تعبه وآلامه وإن كانت صعبة، لكنها محدودة بالمقارنة بآلام المنقذ الحقيقي. فمن هو هذا؟
إنه الرب يسوع المسيح مخلِّص العالم (يو42:4) فهل علمت ما عمله الرب يسوع المسيح؟ اسمعه لكي ينقذنا من البحيرة المتقدة بالنار والكبريت يصرخ قائلا: {الْمِيَاهَ قَدْ دَخَلَتْ إِلَى نَفْسِي. غَرِقْتُ فِي حَمْأَةٍ عَمِيقَةٍ وَلَيْسَ مَقَرٌّ. دَخَلْتُ إِلَى أَعْمَاقِ الْمِيَاهِ والسَّيْلُ غَمَرَنِي} (مز69 :1و2)
إذًا أدعوك لترافقني في هذه الرحلة السريعة عن آلام المسيح، لتتأمل معي لا "إدوارد سبنسر"، بل رب "إدوارد" الذي علمه الحب والتضحية:
1- الآلام من الأيدي البشرية:
- الآلام الجسدية: فالجلدات مزقت جسده العاري واللكمات والضربات بالقصبة انهالت على وجهه وجبينه الذي غرسوا فيه بكل عنف إكليلاً من الشوك. ولقد حمل الصليب على ظهره الممزق، ثم دُقت المسامير بوحشية في يديه ورجليه! يا لها من آلام رهيبة!
- الآلام النفسية: فخيانة يهوذا، وإنكار بطرس، وهرب باقي التلاميذ، والقبض عليه كلص، ثم العار الذي شعر به عندما عروه واستهزأوا به بثوب الارجوان والقصبة في يمينه، وكم كان شعوره عندما بصقوا في وجهه الكريم؟! آه .. إنها آلام نفسية لا يمكن تصورها.
2- آلام العدالة الالهية: التي احتملها المسيح من محكمة العدل الالهي كبديل عنا
- وجوده في مركز البدلية: فالمسيح القدوس وهو على الصليب ليس فقط اعتُبر بديلا عنا كخاطئ، إذ قال: {حَمَاقَتِي وَذُنُوبي} (مز5:69)، ولكنه اعتُبر أيضًا أنه الخطية نفسه، كما هو مكتوب أن الله {جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ} (2كو21:5).
- قبوله عار الخطية: {عَارُ الشُّعُوبِ الْخَطِيَّةُ} (أم34:14). ولقد احتمل المسيح العار بدلاً منا حتى قال: {الْعَارُ قَدْ كَسَرَ قَلْبِي فَمَرِضْتُ} (مز20:69).
- صار لعنة الخطية: فاللعنة التي لا بد أن تنصبَّ على رأس الخاطئ، انصبت على المسيح في الصليب. بل إنه هو نفسه صار لعنة لاجلنا (غل13:3).
- احتماله عذاب الخطية: فالجحيم بكل ويلاته وعذاباته قد احتمله المسيح وهو يدفع أجرة خطايانا، فاسمعه يقول: {يَبِسَتْ مِثْلَ شَقْفَةٍ قُوَّتِي وَلَصِقَ لِسَانِي بِحَنَكِي} (مز15:22).
زكريا استاورو