عبودية اختيارية
«لأني غير مستعد أن اكون عبدًا فأني أرفض أن أكون سيدًا أيضا»
قالها الرئيس الأمريكي "أبراهام لنكولن" المشهور بمحرر العبيد عندما أعلن تحرير العبيد في أمريكا بتاريخ 2 يناير 1863م. وقد دفع الشعب الأمريكي ثمنًا باهظًا لهذا الإعلان حيث اندلعت حرب أهلية مابين الشمال والجنوب تركت آلاف القتلى من الطرفين وقُتل لنكولن نفسه في عام 1865م، وبعده جاء "مارتن لوثر كينج" الذي قال أيضا:
- «إنني أحلم بيوم يعيش فيه أطفالي في شعب لا يكون فيه الحكم على الناس بألوان جلودهم، ولكن بما تنطوي عليه أخلاقهم»
وفي أول ديسمبر عام 1955م رفضت إحدى السيدات، تُدعى "روزا باركس"، وهي حائكة من السود، أن تخلي مقعدها لأحد الركاب البيض، فما كان من السائق إلا أن استدعى رجال البوليس، وبدأت مواجهات شديدة لتحرير السود من التفرقة العنصرية. وفي 30 يناير 1965م حينما كان "مارتن لوثر كينج" يخطب في اجتماع عام، ألقيت قنبلة على الجزء الأمامي من منزله، ورغم أنه نجا منها، لكنه اُغتيل ببندقية أحد المتعصبين، ويدعى "جيمس أرل راي" في 4 أبريل 1968م
كانت تجارة العبيد زائعة الصيت في العالم وفي أمريكا بشكل خاص في تلك الحقبة الزمنية. وفي أحد الأيام رست سفينة كبيرة في في مرفإ مدينة "نيويورك" وكانت كل بضاعتها من العبيد الذين تم اختطافهم أو اصطيادهم من أفريقيا، ثم تعريتهم ودهن أجسادهم ببعض الألوان لتميزهم، ثم اعطائهم أرقامًا وصكوكًا وعقودًا ليباعوا بها، وبجوار كل صك رقم العبد أو الأَمَة، ومعه مفاتيح السلاسل الكبيرة التي كانت تُكَبِّل أرجل وأقدام هولاء العبيد.
كان هناك الكثير من الناس بانتظار السفينة ليشتروا ما طاب لهم من العبيد في المزاد العلني الذي يعقد في مدينة "نيويورك" ليستعبدوهم في بيوتهم ومزارعهم ويستغلونهم بكل الطرق التي يندى لها جبين الإنسانية. كان العبيد الجدد يمشون منكسي الرؤوس، ببطء تحت ثقل الذل والخوف والسلاسل.
بدأ المزاد وكانت الأصوات تعلو وتخبو إلى أن ساد المزاد صمت رهيب عندما قدم التجار فتاة غاية في الجمال، وحسنة المنظر جدًا وهي في ريعان شبابها وتبدو على محياها علامات تنم على أنهم ربما يكونوا قد اصطادوها أو خطفوها من عائلة عظيمة! يمكن أن تكون بنت أحد الملوك أو الأمراء أو على الأقل النبلاء!
وقفت الفتاة منكسة الرأس وبينما التهمها الجميع بنظرات الجشع وشهوة الامتلاك، قال منادي المزاد:
- «هذه هي جوهرة البضاعة .. إنها أجمل امرأة عرفها مزاد "نيويورك" منذ سنين طويلة. من هو سعيد الحظ الذي سيمتلكها؟»
تعالت الأصوات وكثرت المزايدات على هذه الشابة، وفي وسط الجمع وقف رجل وقور بهدوء، وكان دائمًا يزايد بسعر أعلى مما يقوله آخر. ارتفع ثمن الفتاة ولكن الرجل ظل يزايد بأكثر إلى أن صمت الجميع، فدفع الثمن، وكتب مسئول المزاد صك ملكيته للفتاة، وسلمه لذلك الرجل الوقور، وسلمه أيضًا الشابة مكبّلة اليدين والرجلين ومنحنية الرأس. وبعدما تحركوا من المزاد, رفعت الشابة عينيها ونظرت لسيدها وقالت:
- «أنا الآن ملك لك. لقد اشتريتني. بإمكانك أن تفعل بي وبجسدي ما تشاء، أما قلبي فلن تستطيع امتلاكه مهما دفعت».
لم يتأخر الرجل كثيرًا، ولكنه خلع عباءته وأعطاها للفتاة وسترها بعد أن فك قيودها، ثم مزق الصك والعقد أمام عينيها وقال لها بصوت أبوي حنون:
- «أنت الآن حرة أيتها الفتاة المسكينة، لن يستعبدك إنسان بعد اليوم, أنا لا أستعبد أحدًا فأنا ضد تجارة الرقيق وأقاومها جدًا بكل ما أملك، لذلك اشتريتك لأحررك لا لأستعبدك»
كل هذا والفتاة تنظر في ذهول وهي لا تصدق ما تراه وتسمعه! انحنت الفتاة وأمسكت بقدمي الرجل وهي تغمرهما بالدموع قائلة:
- «سيدي، أرجوك تقبل عبوديتي الاختيارية لك. إني أريد أن أخدمك طوال عمري. أرجوك اقبل ودعني أخدمك ولا تتركني هنا وحدي مع الذئاب البشرية من حولي. أرجوك أن تقبل خدمتي الاختيارية لك. أريد أن أبقى بجوارك يا أرق وأنبل إنسان قابلته في حياتي».
عزيزي القاريء .. عزيزتي القارئة، إن هذا الرجل والرئيس "لينكولن" و"مارتن لوثر كينج"، جميعهم دعوا لتحرير العبيد، لكن الرب يسوع وحده الذي لكي يحررنا أخذ صورة عبد, {الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لله. لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ} (فيلبي2: 6). انظر الرمز في (خروج21: 1-7).
لقد اشتراك واشتراني بدماه الذكية, {وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً قَائِلِينَ: «مُسْتَحِقٌّ أَنْتَ أَنْ تَأْخُذَ السِّفْرَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ،لأَنَّكَ ذُبِحْتَ واشْتَرَيْتَنَا لِلَّهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ} (رؤيا4: 9) بل وأيضًا قد فداني بدمه, {َعالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ ... بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ} (1بطرس1: 18) وبه قد خلقنا, {فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ ... الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ} (كولوسي1: 16).
فنحن ملكه ثلاث مرات: مرة بالخليقة ومرة ثانية بالشراء ومرة ثالثة بالفداء, ولكنه رغم ملكيته الأكيدة لنا لا يريد أن يستعبدنا, حاشا! بل يحررنا من الشيطان والخطية, {أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «ﭐلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ. وَﭐلْعَبْدُ لاَ يَبْقَى فِي الْبَيْتِ إِلَى الأَبَدِ أَمَّا الاِبْنُ فَيَبْقَى إِلَى الأَبَدِ. فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الاِبْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا} (يوحنا8: 34-36). اسمعه يقول لي ولك: {لاَ أَعُودُ أُسَمِّيكُمْ عَبِيدًا لأَنَّ الْعَبْدَ لاَ يَعْلَمُ مَا يَعْمَلُ سَيِّدُهُ لَكِنِّي قَدْ سَمَّيْتُكُمْ أَحِبَّاءَ لأَنِّي أَعْلَمْتُكُمْ بِكُلِّ مَا سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي} (يوحنا15: 15). ولكننا اختياريًا نفتخر أن نكون عبيدًا له كما قال الرسول بولس: {بولُسُ عَبْدٌ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ} (رومية1: 1). فهل نظير هذة الفتاة التي شعرت برغبة في خدمة محررها، تعطيه حياتك معي في عبودية اختيارية؟ هل تصلي معي؟
صلاة:
أيها الإله الفريد يا من أخذت صورة العبيد لتعتقني، فكني من كل قيودي واعطني قلبًا جديد. آمين.
زكريا استاورو