البحر الأخطر
شهقت الأم شهقة كانت كالسهم الذي مزق قلب ابنها "هدسون تايلور" الشاب المُرسل إلى الصين، وهي تُقبله قُبلة الوداع داخل كابينته في السفينة، بعد الخدمة الروحية التي تمت على ظهرها بهذه المناسبة العظيمة في يوم 19سبتمبر 1853م، وعندها قال لها "هدسون" والدموع تغمر كل أجزاء وجهه:
- «أُمَّاه، الآن وأنتِ تُضحين بي لأسافر لأجل الصينيين، تعلمتُ شيئًا جديدًا عن معنى الآية: {لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل (أعطى) ابنه الوحيد} (يوحنا 16:3)».
وما أن تحركت السفينة، حتى اختلطت في عينيه دموع جراح الفراق مع دموع أفراح الأشواق للخدمة في الصين، فنظر أمامه «نحو الهدف»، واتجه بقلبه إلى الرب يسوع يطلب منه الرفقة والقوة.
لمح تايلور شابًا يجلس إلى جواره لم تبدُ عليه أية علامات للرحيل، وقد بدا غير مكترث بشيء. وإذ تعرّف عليه قال له الشاب:
- «إسمي بطرس، وعندما أصل إلى الصين سأكون بذلك قد دُرت حول العالم تقريبًا».
- «وهل فكّرت في رحلتك الأكيدة للعالم الآخر؟»
لم يُنهِ "هدسون" سؤاله، إلا وكان بطرس قد أجابه بكل حدة:
- «إذًا أنت مبشر، لقد سمعت كثيرًا من جدتي وأيضًا في أوروبا عن السماء والجحيم وعن المسيح العظيم. لا بد أن يأتي اليوم الذي سأقبل فيه المسيح لأبدأ الرحلة إلى السماء، ولكن ... بعد أن أنتهي من رحلتي حول العالم».
في كل يوم تقريبًا كان "هدسون تايلور" يجلس مع "بطرس" ليحدثه عن معاني الصليب والمسيح الحبيب وفدائه العجيب بل ومجيئه القريب. وفي كل مرة كان "بطرس" يُنهي الحديث ويقول "لهدسون":
- «سأقبل المسيح بعد أول عظة لك في الصين .. هذا وعد مني»!
وفي صباح يوم 22 فبراير 1854م وقبل وصوله إلى "شنغهاي" بالصين بسبعة أيام فقط، استيقظ "هدسون تايلور" وفي قلبه حُب مقدس وجارف نحو صديقه "بطرس"، فذهب إليه في كابينته ليصلي معه، ولكنه لم يجده في الكابينة. ولما ذهب إلى ظهر السفينة وجده مستغرقًا في فكر عميق وكأنه يسافر بأفكاره إلى كل العالم في وقت واحد. فاقترب إليه وقال له:
- «بطرس، أريد أن أصلي معك الآن لتقبل المسيح» ..
أفاق "بطرس" من تفكيره البعيد وكأنه عاد من سفر طويل وقال له:
- «صديقي، عندي أفكار تفوق هذه البحار وخطط أكثر من كل الرمال في أي مجال، سأعطي له وقتي بعد نهاية رحلتي حول العالم. نعم لقد وعدتك أني سأقبل المسيح بعد أول عظة لك في الصين فأرجو ألا تلح عليّ».
وعندئذٍ اقترح "تايلور" أن يهديه بعض النبذات عن المسيح ليقرأها. ولما قَبِلَ "بطرس" على مضض، دخل "تايلور" إلى كابينته ليُحضر النبذات ولكنه عاد سريعًا قبل إحضارها على صرخات المسافرين:
- «أنقذوه .. راكب سقط في البحر»!
انفجر قلب "تايلور" كالبركان الثائر وهو يرى رفيقه وسط المياه الغاضبة ووجهه مملوء بالرعب، وهو يصارع الأمواج المُزبدة ولا يقوى حتى على الصراخ من هول الصدمة.
ألقى "تايلور" بنفسه في البحر وهو يُمسك بسلم السفينة محاولاً إنقاذ "بطرس"، ولكن "بطرس" كان قد ابتعد كثيرًا عن السفينة. فنادى "هدسون" على صيادين كانوا قريبين من "بطرس"
- «أنقذوه وسأعطي لكم أكثر من ثمن صيد كل الأسبوع».
- «كم ستعطي لنا؟» سأله الصيادون، قال:
- «30 شلنًا». قالوا:
- « هذا ليس بكافٍ». قال:
- «لا تضيعوا الوقت .. خذوا كل ما عندي وأنقذوه»، قالوا:
- «وكم تملك؟» أجاب على الفور:
- «84 شلنًا»، قالوا:
- «لا يكفي!». صرخ تايلور:
- «خذوا كل ما تطلبوه»، أجابوا:
- «نريد 120 شلنًا». قال:
- «موافق .. أنقذوه سريعًا».
ولما تحركوا نحو "بطرس" ببطء، كان قد غرق وغاص في بحر لا أحد يعلم أعماقه ولا قراره إلا الله وحده.
صديقي .. صديقتي، كانت دقيقة واحدة كافية لإنقاذ "بطرس" من هذا البحر ولكن وا أسفاه! لقد هلك. فمن نلوم .. الصيادين أم "بطرس"؟ نعم أسمعك تُجيبني: «الاثنان مُخطئان لأنهما أجَّلا حتى هلكت تلك النفس الخالدة».
أخي .. أختي، إن كنتَ نظير الصيادين أو مثل "بطرس"، أدعوك أن ترافقني في رحلة سريعة إلى بحر آخر أشد خطورة من ذاك الذي غرق فيه بطرس. إنها البحيرة المتقدة بالنار والكبريت. وسأذكر لك بعض أوصافها من الكتاب المقدس:
1- أتون النار: لا حدود لحرارة هذا الأتون (متى 42:13، قارن دانيآل 22:3).
2- بحيرة بلا قرار: مكان متسع مخيف ومرعب (رؤيا 15:20).
3- كبريت يزيدها استعار: أمواج البحيرة من كبريت ملتهب (رؤيا 10:14).
4- دود يملؤها مرار: {دودهم لا يموت والنار لا تُطفأ} (مرقس 44:9).
5- الشياطين والأشرار: هذا المكان يوجد فيه الشياطين والأشرار معًا (متى 41:25؛ رؤيا 10:20).
6- ظلمة بلا فنار: هذه البحيرة مُظلمة للأبد .. نار وظلام!! (متى 30:25).
7- أبدية بالاستمرار: {وسيعذبون نهارًا وليلاً إلى أبد الآبدين} (رؤيا 10:20).
أما النازل إلى هذا المكان فإلى أبد الآبدين سيشعر بأنه:
1- مذبوح: (لوقا 27:19).
2- مربوط من رجليه ويديه: (متى 13:22).
3- عطشان: (لوقا 24:16).
4- يشرب من كأس غضب الله: (رؤيا 10:14).
5- هناك البكاء: (متى 51:24).
6- صرير الأسنان والندم: (متى 30:25).
7- دُخَان العذاب يصعد إلى أبد الآبدين (رؤيا 11:14).
أيها القارئ العزيز، بحق كلمة الله أحذرك من هذا البحر الأخطر الذي ينتظر كل مؤجل أو مستهتر أو رافض للمسيح وخلاصه العظيم.
وقبل أن أدعوك لتصلي معي، أخبرك بأعظم بشارة: كل هذه الويلات الجهنمية قد اجتاز فيها المسيح بدلاً عنك. وإن درست الكتاب المقدس سترى كيف احتمل هذه العذابات لأجلي ولأجلك. فهل تقبل فداءه فلا تغرق إلى الأبد في البحر الأخطر المتقد بالكبريت؟ ألا تصلي معي الآن وأنت تُمسك هذا الكتاب؟
صلاة:
يا من غرقت في بحار اللهب بدلاً مني، لتنقذني من نيران الغضب وتمحو إثمي. أرتمي في أحضانك فاعفً عني .. آمين.
زكريا استاورو