قطار النار
كان "وائل سمير ناشد" البالغ من العمر 18 عامًا، وأمه السيدة "تريزا نصيف مسعود" يشعران بالسعادة الغامرة وهما يغادران القاهرة، وبينما هما يركبان قطار الصعيد قبل منتصف ليل الثلاثاء الموافق 20 فبراير 2002م قال وائل لأمه:
«ما أحلي الرجوع للبيت يا أمي، لا أدري كيف سَتَمُرّ هذه الساعات الست حتى نصل إلي أسيوط! أشتاق للعودة بسرعة».
انطلق القطار وهو يكاد يترنح ويشكو حاله من كثرة الركاب؛ فالأيام كانت أيام أعياد وإجازات، وكان القطار يُعبِّر عن ضيقه بصفارته المدوية وصوته العالي. ولما فشلت الأم في أن تجد لها ولابنها مكانا للجلوس، قالت لوائل:
«سنقف، والرب يسهل علينا المسافة يا إبني».
ردّ وائل مهمهمًا:
«لنقف، لكن لا يوجد حتى موطئًا لقدم!!»
أعطى بعض الركاب الطيبين حقائب سفرهم للأم لتجلس عليها، وعندما اقترب القطار إلي محطة العياط شعرت السيدة "تريزا" بصوت داخلي عميق يلح عليها أن تقف وتتجه نحو الباب، فقامت واتجهت للباب وهي تنادي على وائل ابنها الذي تضايق لوقوف أمه وترْكها الفرصة العظيمة؛ الجلوس على حقائب أهل قنا الطيبين.
لم تمض دقائق حتى اشتمت "تريزا" رائحة دُخَان، حيث كانت في العربة الثالثة من مؤخرة القطار، وبدأ الدخان الكثيف وشرار النيران يهجم علي عربتهم بسرعة وشراسة مذهلة. صرخ الجميع وبدأوا في الهرب، ولكن كيف لهم أن يقتربوا من الباب وكتل اللحم البشرية تعمل كحاجز أعرض من أقوى الأسوار مما يجعل من المستحيل على أحد أن يتحرك!! أضف إلي ذلك السرعة الرهيبة التي يسير بها القطار في ظلمة الليل الحالكة. أما الذين كانوا واقفين بجوار الباب، فحاولوا بكل قوتهم فتحه، ولكن دون جدوى. حتى اجتمع عشرة رجال، ولكن الباب كان أقوي منهم ورفض أن ينفتح.
كسر بعض الركاب زجاج الباب، وألقوا بأنفسهم من خلال شباكه، ولكن كانت عجلات القطار لهم بالمرصاد، فافترستهم ومزقتهم وماتوا جميعا، وحتى مَن نَجَا من عجلات القطار كان يحترق من النيران التي كانت قد فحَّمت العربتان الأولي والثانية من المؤخرة تمامًا.
أصر "وائل" على أن يقفز من الشباك، لكن أمه، التي كانت تختنق، منعته وهي تمسك به بكلتي يديها وهي تصرخ بكل ما تبقى عندها من قوة:
- «يا يسوع، يا رب يسوع، يا من كنت مع الفتية الثلاثة في الأتون، نجنا، نجنا يا يسوع، خلصنا أنا وابني يا يسوع، أنا أومن بك وبمعجزاتك يا يسوع، نجنا يا رب يسوع، يا يسوع».
وفي الحال، وبطريقة معجزيه تمامًا، وبدون أي سبب منطقي، انفتح باب العربة الثالثة الخلفية للقطار أمام الأم وابنها، فقفزت السيدة "تريزا" ومن خلفها قفز ابنها وائل، والقطار يسير بأقصى سرعته في قلب الظلام, هذا الظلام الذي كان يزيد سواده دخان الحريق الذي كان قد امتد حتى العربة السابعة في أبشع حادثة تحدث في تاريخ السكك الحديدية في مصر منذ 150 عامًا، إذ احترق وأصيب وتفحم أكثر من 200 راكب في كل عربة من العربات السبع التي تفحمت تماما، وكان يعلو لهب حريقها عنان السماء.
ولكن ماذا عن السيدة "تريزا" وابنها وائل؟ لقد نزلا بسلام علي الحشائش المحيطة بقضبان السكة الحديد والتي يطلق عليها "الحَلْف"، ولكن بعد لحظات بدأت هذه الحشائش في الاشتعال نتيجة مرور قطار الموت المشتعل بجوارها، فلم يكن لدى الأم وابنها أية وسيلة للنجاة إلا أن يلقيا بأنفسهما في الترعة المجاورة! فقفزا في الترعة حتى غطت مياه الترعة الأم وابنها بارتفاع رأسيهما.
أما الأم المؤمنة فمرة أخرى ظلت تصرخ في الترعة:
«يا رب يسوع، يا من جعلت بطرس يمشي علي الماء، وأنقذت يونان من بطن الحوت، أنقذنا من الغرق»!
مما جعل وائل يقول لها:
«يا أمي هل الآن وقت تأملات في الكتاب المقدس ونحن نغرق؟!»
أجابته الأم:
- «كلا، لن نغرق يا ولدي، فهذا هو أنسب وقت نختبر فيه عمليًا ما عرفناه عن الرب يسوع المخلص العظيم».
وما أن صارت النيران رمادًا، حتى خرجت السيدة "تريزا" و"وائل" ابنها من الترعة دون أن تسقط شعرة من رأسيهما أو يصابا بخدش في جسميهما. نعم، لقد نجيا من النيران والغرق في قصه إن أنا رأيتها في فيلم سينمائي لن أصدقها!! ولكن هذا ما حدث بشهادتهما، وبشهادة من رآهما بعد ذلك، وبشهادة بعض الصحف التى تحدثت عن معجزة نجاتهما من نيران قطار الموت ومن الغرق في عمق الترعة.
صديقي القارئ العزيز .. صديقتي القارئة الفاضلة، إن تلك القصة الحقيقية لا تحتاج إلي تعليق؛ فجميعنا نسير بسرعة مذهلة - لا في قطار الصعيد بل - في قطار الأبدية. فمكتوب: {لأَنَّ الإِنْسَانَ ذَاهِبٌ إِلَى بَيْتِهِ الأَبَدِيِّ} (جامعة4:12). مِنَّا - وللأسف الشديد - من سيذهب للنار الأبدية إذ يسمع القول: {اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ} (متى41:25)، ولكن منا من سيهرب لحياته كالسيدة "تريزا" وابنها "وائل"، فينجو من الجحيم ومن الغرق - ليس في ترعة ولكن - في بحيرة النار والكبريت المكتوب عنها: {وَطُرِحَ الْمَوْتُ والْهَاوِيَةُ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ. هَذَا هُوالْمَوْتُ الثَّانِي. وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مَكْتُوبًا فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ} (رؤيا14:20و15) فهل تلجأ الآن للرب يسوع لتنجو؟ فهو وحده الذي احترق علي الصليب لأجلي ولأجلك. نعم، اسمعه يصرخ: {«صار قلبي كالشمع، قد ذاب في وسط أحشائي»} (مزمور14:22) وهوالذي غرق بدلا مني. أسمعه يصرخ قائلا: {«خَلِّصْنِي يَا اللهُ لأَنَّ الْمِيَاهَ قَدْ دَخَلَتْ إِلَى نَفْسِي. غَرِقْتُ فِي حَمْأَةٍ عَمِيقَةٍ وَلَيْسَ مَقَرٌّ. دَخَلْتُ إِلَى أَعْمَاقِ الْمِيَاهِ والسَّيْلُ غَمَرَنِي»} (مزمور1:69و2). فهل تهرب إلى المسيح من لهيب وجحيم وحطام وغريق هذا العالم قبل أن تحترق الأرض والمصنوعات التي فيها؟ (2 بطرس 10:3) بل قبل أن يصل قطار الجحيم والغرق الأبدي إلي محطته المحتومة بالنسبة لك، وتهرب معي ومع السيدة "تريزا" وابنها إلي المسيح المخلص؟ ألا تصلي معي الآن؟
صلاة:
يا رب يسوع،
أنا الآن أركب قطار الجحيم السريع،
وأشتم رائحة دخان النيران المريع
مع كل دقيقة من وقتي وعمري الذي يضيع.
أنا آتي إليك بكل قلبي المتضع الوضيع،
فارحمني وخلصني ومتعني بخلاصك البديع.
آمين.
زكريا استاورو