عربة اللبن

عُرف خادم الرب "جورج موللر" George Müller بأنه رجل الإيمان والصلاة، الذي يحصل على الأشياء من الله مباشرة.
وُلد "جورج موللر" في قرية "كروبنشتات" Kroppenstedt - وهي قرية قرب "هالبرستات" Halberstadt في مملكة بروسيا Prussia بشمال ألمانيا - في 27سبتمبر عام1805م، وظل يخدم الله حتى رحل ليكون مع الرب يسوع في السماء في10مارس من عام 1898م. وكانت آيه الشعار في حياة "جورج موللر" هي: {فَيَمْلأُ إِلَهِي كُلَّ احْتِيَاجِكُمْ بِحَسَبِ غِنَاهُ فِي الْمَجْدِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ} (فيلبي4: 19)
عندما وضع الرب في قلب "موللر" بناء الملاجيء والعناية بالأيتام، كان لا يمتلك أكثر من 50 قرشًا، ولكن بالإيمان، بلغت الأموال التي أنفقها "موللر" لرعاية أكثر من 100ألف من الأيتام في حياته، أكثر من 7 ملايين دولار أمريكي!!
كان "موللر" في شبابة مشهورًا جدًا بالشر والفساد الأخلاقي، وكان لصًا محترفًا، اشتهر بفن الكذب، حتى أنه في أثناء لعب القمار كان يكذب ويسرق النقود عُنوه ممن معه، وفي السابعة عشرة من عمره سُجن في قضية تزوير وغش وسرقة!
بعد خروج "موللر" من السجن، دعاه أحد الأصدقاء لاجتماعات روحية كانت تُعقد في أحد البيوت المسيحية، وهناك سمع "جورج موللر" عن الرب يسوع المسيح وخلاصه، فأعطى حياته بالكامل للمسيح، وتمتع بالمكتوب: {إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا} (2كورنثوس5: 17) ومن وقتها تفرغ "جورج موللر" لخدمة المسيح.
ومن أشهر قصص الإيمان في حياة "جورج موللر" هذه القصة التي سأرويها لك ..
في صباح أحد الأيام، وكان الملجأ لا يمتلك ولا حتى مليمًا واحدًا، وقد نفذت كل الأطعمة تمامًا، ولم يكن يوجد ولا قطعة خبز، ولا كوب من اللبن. لكن "جورج موللر" بدأ يومه كعادته بالصلاة، ثم اجتمع بالأطفال، وبعدها توجه الأطفال للمطعم كالعادة وهو معهم.
وبعدما وضع طبقًا وكوبًا فارغًا أمام كل طفل، قال لهم:
- «يا أولادي، أنتم تعرفون أنه يجب أن لا نتأخر اليوم عن ميعاد المدرسة، فيجب أن نتناول طعام الأفطار سريعًا»!
ثم صلى "موللر" في هدوء قائلا:
- «أيها الآب، شكرًا لك على ما سوف تعطيه لنا لنأكل في هذا الصباح»!
وما أن انتهى "موللر" من كلامه مع الآب السماوي، حتى سمعوا صوت قرعات على الباب، ولما فتح الباب، وجد خباز المدينة يقول:
- «سيدي "جورج موللر"، بالأمس استيقظت من النوم في الثانية بعد منتصف الليل وشعرت في داخلي بخوف شديد أن لا يكون عندكم خبزًا طازجًا يكفي للأطفال هذا اليوم، فقررت أن أخبز لكم هذه الأرغفة فهل تقبلوها؟»!
شكر "موللر" الخباز، وطلب إليه أن يضع الخبز الطازج أمام الأطفال. وقبل أن يخرج الخباز، دق الباب مرة أخرى، ولما فتحوا الباب جاء رجل قائلاً:
- «مستر "جورج"، لقد اكتشفت الآن وأنا بجانب باب الملجإ، ثقوبًا في عربة اللبن التي أقودها، ولا بد من أن أفرغها، فهل يمكن أن أفرغها في أواني الملجإ بدلاً من أن أسكب اللبن على الطريق، حتى أستطيع أن أحاول إصلاح الثقوب التي في حاوية العربة؟»!
قَبِلَ "جورج موللر" اللبن، وطلب من الرجل أن يصبه في الأكواب الفارغة التي كانت أمام الأطفال، وأن يساعده في غلي باقي اللبن ليشربوه بعد هذا.
صديقي القايء العزيز .. صديقتي القارئة العزيزة، قال الرب يسوع المسيح: {لِذَلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ تَهْتَمُّوا لِحَيَاتِكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَبِمَا تَشْرَبُونَ وَلاَ لأَجْسَادِكُمْ بِمَا تَلْبَسُونَ. أَلَيْسَتِ الْحَيَاةُ أَفْضَلَ مِنَ الطَّعَامِ وَالْجَسَدُ أَفْضَلَ مِنَ اللِّبَاسِ؟ اُنْظُرُوا إِلَى طُيُورِ السَّمَاءِ: إِنَّهَا لاَ تَزْرَعُ وَلاَ تَحْصُدُ وَلاَ تَجْمَعُ إِلَى مَخَازِنَ وَأَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ يَقُوتُهَا. أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ بِالْحَرِيِّ أَفْضَلَ مِنْهَا؟ ... فَإِنْ كَانَ عُشْبُ الْحَقْلِ الَّذِي يُوجَدُ الْيَوْمَ وَيُطْرَحُ غَدًا فِي التَّنُّورِ يُلْبِسُهُ اللهُ هَكَذَا أَفَلَيْسَ بِالْحَرِيِّ جِدًّا يُلْبِسُكُمْ أَنْتُمْ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ؟ ... لَكِنِ اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ الله وَبِرَّهُ وَهَذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ} (متى6: 25-33)
لقد اعتنى الله قديما بشعبه في البرية، وكان يطعمهم المن كل صباح، {وَجَمِيعَهُمْ شَرِبُوا شَرَابًا وَاحِدًا رُوحِيًّا، لأَنَّهُمْ كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنْ صَخْرَةٍ رُوحِيَّةٍ تَابِعَتِهِمْ وَالصَّخْرَةُ كَانَتِ الْمَسِيحَ} (1كورنثوس10: 4) كما قال الله لهم في نهاية الأربعين سنة: {أَطْعَمَكَ المَنَّ الذِي لمْ تَكُنْ تَعْرِفُهُ وَلا عَرَفَهُ آبَاؤُكَ لِيُعَلِّمَكَ أَنَّهُ ليْسَ بِالخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ بَل بِكُلِّ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَمِ الرَّبِّ يَحْيَا الإِنْسَانُ. ثِيَابُكَ لمْ تَبْلَ عَليْكَ، وَرِجْلُكَ لمْ تَتَوَرَّمْ هَذِهِ الأَرْبَعِينَ سَنَةً} (تثنية8: 3)
صديقي القاريء العزيز .. صديقتي القارئة العزيزة، إن الإيمان الذي عاش به "جورج موللر" هو الإيمان الذي حصل به أولا على الحياة الأبدية كما قال المسيح: {لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ ... اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِاسْمِ ابْنِ اللهِ الْوَحِيدِ} (يوحنا3: 16و18)
وهذه بعض أوجه الإيمان في حياة المسيحي الحقيقي:
1. التبرير: {أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا} (رو17:1وغلا11:3وعب38:10)
2. اليقين: {لِنَتَقَدَّمْ بِقَلْبٍ صَادِقٍ فِي يَقِينِ الإِيمَانِ، مَرْشُوشَةً قُلُوبُنَا مِنْ ضَمِيرٍ شِرِّيرٍ،وَمُغْتَسِلَةً أَجْسَادُنَا بِمَاءٍ نَقِيٍّ} (عب22:10) {أَنْتُمُ الَّذِينَ بِقُوَّةِ اللهِ مَحْرُوسُونَ، بِإِيمَانٍ، لِخَلاَصٍ مُسْتَعَدٍّ أَنْ يُعْلَنَ فِي الزَّمَانِ الأَخِيرِ} (1بط5:1)
3. الصلاة: {كُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ حِينَمَا تُصَلُّونَ فَآمِنُوا أَنْ تَنَالُوهُ فَيَكُونَ لَكُمْ} (مر22:11-23) {وَصَلاَةُ الإِيمَانِ تَشْفِي الْمَرِيضَ} (يع15:5)
4. ربح نفوس الآخرين: {فَلَمَّا رَأَى إِيمَانَهُمْ قَالَ لَهُ: «أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ»} (لو20:5)
5. النصرة: {حَامِلِينَ فَوْقَ الْكُلِّ تُرْسَ الإِيمَانِ، الَّذِي بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ الشِّرِّيرِ الْمُلْتَهِبَةِ} (أف16:6) {لأَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللهِ يَغْلِبُ الْعَالَمَ, وَهَذِهِ هِيَ الْغَلَبَةُ الَّتِي تَغْلِبُ الْعَالَمَ: إِيمَانُنَا} (1يو4:5) {مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي} (غلا20:2)
6. الملء: {لِيَحِلَّ الْمَسِيحُ بِالإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ، وَأَنْتُمْ مُتَأَصِّلُونَ وَمُتَأَسِّسُونَ فِي الْمَحَبَّةِ، حَتَّى تَسْتَطِيعُوا أَنْ تُدْرِكُوا مَعَ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ مَا هُوَ الْعَرْضُ وَالطُّولُ والْعُمْقُ والْعُلْوُ، وَتَعْرِفُوا مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ الْفَائِقَةَ الْمَعْرِفَةِ، لِكَيْ تَمْتَلِئُوا إِلَى كُلِّ مِلْءِ اَللهِ} (أف17:3-19)
7. السفر للسماء: {لأَنَّنَا بِالإِيمَانِ نَسْلُكُ لاَ بِالْعِيَانِ. فَنَثِقُ وَنُسَرُّ بِالأَوْلَى أَنْ نَتَغَرَّبَ عَنِ الْجَسَدِ وَنَسْتَوْطِنَ عِنْدَ الرَّبِّ. لِذَلِكَ نَحْتَرِصُ أَيْضًا مُسْتَوْطِنِينَ كُنَّا أَوْ مُتَغَرِّبِينَ أَنْ نَكُونَ مَرْضِيِّينَ عِنْدَهُ} (2كو7:5-9)
فهل تأتي بإيمان، مع "جورج موللر"، ومعي، مصليًا؟
صلاة: يا ربي يسوع يا من مت لأجلي هنا ..  وتحيا لأجلي في السما .. أنت وحدك مصدر اَلْهَنا ..  فامتلك حياتي يا إلهنا  آمين.
زكريا استاورو