ميكروسكوب أم تلسكوب

كان "جورج"، ذلك الشابُّ المسيحي الحقيقي، يبحر علي ظهر سفينة تتجه إلي "مونتيفيديو" MONTEVIDIO. وكم كانت سعادته بالغة عندما تقابل علي سطح السفينة مع زميله القديم في الدراسة "وليم". وإذ كان الزميلان يتذكران بفرح غامر ذكرياتهما معًا في المدرسة، لاحظ "وليم" التغيير الكامل في صفات وطريقة حياة وأسلوب تفكير "جورج" فبادره بالسؤال:
- «ماذا حدث لك؟ إني أري أنك تغيرت تماما!»
وعندها كانت الفرصة مناسبة "لجورج" ليحدث صديقة القديم عن الرب يسوع وخلاصه العجيب وكيف أنه اختبر محبة الله وتمتع بالفرح والسلام الحقيقي منذ ذلك اليوم الذي سلم فيه حياته وقلبه وكل إرادته للرب يسوع المسيح. استهزأ "وليم" بالإنجيل وقال لصديقة القديم:
- «هل ما زلت تصدق هذه الخرافات القديمة عن الله والصليب؟ إن الدين أفيون الشعوب. وتلك الأوهام كانوا يقولونها لأجدادنا في العصور القديمة ليخيفوهم بها». وأردف قائلا:
- ¬«وإن افترضنا جدلا أن ما كتب في الكتاب المقدس حقيقة، فأنا ما زلت شابًا صغيرًا، يجب أولاً أن أتمتع بحياتي, أعيشها كما أريد أنا وليس كما يريد الله أن يمليها عليَّ. أنا حر!»
لم تمض ساعات قليلة حتى دق جرس الإنذار وأعلن القبطان أن راكب قد سقط في البحر. حاول البحارة بكل جهدهم أن يعودوا بالسفينة في اتجاه صوت الغريق، وغيروا مسار السفينة عدة مرات وأخيرا رموا له طوق النجاة وأنقذوه. وكم كان التأثر الشديد يسيطر علي "جورج" إذ أن الغريق الذي أُنقذ هو زميله القديم "وليم" الذي كان يستهتر بالله وبالأبدية منذ ساعات قليلة.
ذهب "جورج" في صباح اليوم التالي إلي زميله القديم "وليم" ليسأل عن صحته فوجده يعاني من حمى وإعياء شديد بسبب الغرق. وكم أخذته الدهشة عندما بادره "وليم" قائلا:
- «كنت أنتظرك يا "جورج" بفارغ الصبر لتأتي وتحدثني عن المسيح وعمله وكيف يمكنني أن أتمتع بخلاصه حتى أكون مستعد في أي وقت لأذهب عنده في السماء»
تأثر جورج وازدادت دهشته، وقال لزميله:
- «لكنك بالأمس يا "وليم" كنت تسخر من الكتاب المقدس بل من الله ووجوده», أجابه وليم والدموع تملأ عينيه:
- «يا "جورج" يوجد فرق كبير بين أن تتحدث بكبرياء عن الله وأنت في أمان وهمي علي ظهر السفينة، وبين احتياجك وصراخك له وأنت بين الأمواج الهائجة، في الظلام. من قبل كنت أنظر إلى الموت والأبدية "بالتليسكوب" فأراها بعيدة، ولكن وأنا بين أنياب الأمواج الثائرة كنت أراها "بالميكروسكوب" كانت قريبة جدًا مني. لم أكن أصدق أبدًا أنني سأنجو، والآن قد نجاني الله من الغرق في البحر، فأرجوك أن تخبرني سريعًا من الإنجيل كيف أنجو أيضًا من بحيرة النار والكبريت»
فتح "جورج" كتابه المقدس، وأخذ يحكي بحرارة وحب لزميله القديم "وليم" طريق الخلاص الذي أتمه الرب يسوع بموته النيابي والكفاري لأجلنا علي الصليب، وكيف أن بالإيمان القلبي بعمله الكامل علي الصليب ننجو من الغضب الإلهي, {اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِالاِبْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ بِالاِبْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ الله} (يوحنا36:3).
تقابل "وليم" مع الرب يسوع المسيح وتمتع بالسلام الإلهي عندما صلى مع "جورج" واعترف لله بجميع خطاياه، وقَبِلَ بالتمام عمل المسيح الكامل لأجله.
وبعدما ودع "جورج" صديقه "وليم" وتركه في "مونتيفيديو"، لم تمض أيام قليلة حتى رقد "وليم" في سلام ليتقابل من مخلصه الحبيب الرب يسوع الذي لم ينجه من الغرق في البحر فقط بل أيضا من الغرق الأبدي في البحيرة المتقدة بالنار والكبريت.
صديقي القارئ العزيز .. صديقتي القارئة العزيزة، ماذا عني وعنك؟ كيف ننظر للعالم الحاضر وكيف ننظر للأبدية؟ قال خادم الرب الشهير "تشارلز سبرجن":
- «ينظر الناس إلي العالم "بالميكروسكوب" فيعطونه أكبر من حجمه لأنهم يجدونه كبيرًا تحت المجهر، مع أنه سيمضي: {لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ. إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ الآبِ. لأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ - شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ - لَيْسَ مِنَ الآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَمِ. وَالْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ فَيَثْبُتُ إِلَى الأَبَد} (1يو15:2-17). وينظر البشر للأبدية "بالتليسكوب" فيجدوها بعيدة وباهتة مع أن الواقع الحقيقي أنها قريبة جدًا وخالدة، كما قال الله للغني الغبي: {يا غبي، هذه الليلة تطلب نفسك منك} (لوقا20:16)»
ليتنا ننظر كما كان الرسول بولس ينظر: {وَنَحْنُ غَيْرُ نَاظِرِينَ إِلَى الأَشْيَاءِ الَّتِي تُرَى، بَلْ إِلَى الَّتِي لاَ تُرَى. لأَنَّ الَّتِي تُرَى وَقْتِيَّةٌ، وَأَمَّا الَّتِي لاَ تُرَى فَأَبَدِيَّةٌ (2كو18:4). وننظر للأبدية "بالميكروسكوب" فنراها قريبة فنُقَدِّر الأمور الأبدية.
فهل تأتي معي الآن لمقابلة شخصية مع الرب يسوع قبل فوات الأوان؟ أدعوك أن تصلي معي وأنت تقرا هذه المقالة:
صلاة:
يا خالق الأنهار والبحار
يا من لأجلي احتملت العطش والمرار
يا من عروك لتحمل عني العار
أومن بك وأقبل خلاصك أيها القدوس البار
فاقبلني معك
وبك أعيش باستمرار
آمين
زكريا استاورو