استشهاد بوليكارب

 
سلك اسقف سميرنا عندما استشهد في القرن الثاني مسلكاً مسيحياً جليل الشأن اذ تأهب واستعد لملاقات مضطهديه. ولم يندفع بالطيش والأستخفاف وعدم الروية والتبصر في الأموركما فعل غيره في بعض الأحيان بسبب الانفعالات النفسية . بل انه عندما سمع الشعب يصرخ طالبا موته . قصد ان يبقى في المدينة حتى يرى النتيجة التي عينها له الله . ولكن الكنيسة الحّت عليه حتى اقنعته بالالتجاء الى قرية قريبة منه . فذهب اليها وكان يقضي الوقت مع بعض اصدقائه في الصلاة نهاراً وليلا من اجل جميع الكنائس في انحاء العالم . على ان مضطهديه ما لبثوا ان علموا مقره فسعوا اليه , ولما وصله خبر مجيئهم ووصولهم الى باب البيت الذي كان هو فيه , استدعاهم الى الداخل وأمر ان يقدم لهم الطعام والشراب , وطلب منهم ان يمهلوه ساعة يقضيها في صلاة هادئة . وإذ كان قلبه مملوءاً فرحاً وسروراً استمر في الصلاة ساعتين . حتى ان الوثنيين انفسهم تأثروا جداً من تعبده وخشوعه ومنظر شيخوخته إذ كان يربو على التسعين عاماً. ولما انتهى من الصلاة حملوه الى المدينة ويظهر ان حاكم تلك المدينة لم يكن يحمل أية ضغينة للمسيحيين فأخذ منه منظر شيخوخة بوليكارب مأخذاً عظيماً فسعى جهده ان يخلصه. وطلب منه ان يترك المسيحية ويجدف على المسيح وهو يطلقه فأجاب الشيخ (ستاً وثمانين سنة خدمته ولم يفعل معي إلا خيراً فكيف اجدف عليه وهو ربي ومخلصي) ولما وجد الحاكم انه لا يستهويه الوعد ولا يرهبه الوعيد. أمر ان ينادى جهراً ان بوليكارب يعترف علنا بمسيحيته . فلما سمع العامة ذلك حنقوا عليه . وصاحوا بصوت عظيم قائلين هذا هو معلم الكفر وابو المسيحيين وعدو آلهتنا الذي اغوى الكثيرين حتى امتنعوا عن تقديم الذبائح لآلهتنا. وطلبوا من الحاكم ان يأمر بتنفيذ حكم الاعدام عليه حرقاً بالنار. وإذ خضع الحاكم لمطالبهم . اسرع اليهود والوثنيون ليحضروا حطباً لذلك الغرض , وبينما كانوا مزمعين ان يسمروه في عامود من الخشب قبل اضرام النار فيه . منعهم عن ذلك قائلاً لهم ان الذي يقويني على احتمال شدة النيران المتقدة يقويني ايضاً على ان اثبت في مكاني بجانب العامود بينما النار تلتهمني . وقبل ان يشعلوا فيه النار صلى قائلا: (ايها الرب الإله القادر على كل شيء ابو ربنا يسوع المسيح الذي به قبنا معرفة ذاتك يا إله الملائكة وكل الخليقة والجنس البشري والابرار الذين هم احياء عندك. اني احمدك إذ اهلتني لهذا اليوم وهذه الساعة لأكون من بين شهودك واشترك معهم في شرب كأس مسيحك) وإذ فرغ من الصلاة اشعلوا فيه النار. وكان اللهيب يتقد في جميع انحاء جسمه وإذ ظن ذو الخرافات من الرومانيين ان النار لا تحرقه طعنون بحربة في جنبه وهكذا نال بوليكارب اكليل النصرة . "من كتاب مختصر تاريخ الكنيسة"
الغرض من القصة : حمل الصليب والأمانة حتى الموت
كُنْ أَمِينًا إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ.(رؤ2: 10)