زهرة على النعش

كان احتفال مهيب يوم فرح ابن أحد الأمراء الفرنسيين على "ماريان" ابنة الكونت فيليب . وفضل العروسان بعد خروجهما من الكنيسة أن يسير الموكب على الأقدام حيث أنه وقت الربيع والزهور الجميلة تملأ الشوارع .وفي غمرة سعادة العروسين ، لمحت "ماريان" آخر يسير في الاتجاه المضاد ..... شاب يبدو عليه إمارات الفقر والبؤس والحزن .... يبكي بحرقة وهو يسير وراء نعش لا يوجد عليه زهرة واحدة حسب عادات أهل البلدة ..... وأراد منظمي موكب العروسين أن يرجع موكب الجنازة و يفسح الطريق للعروسين .... فإذا "ماريان" تلمح عيني الرجل الحزين والدموع تنهمر بحرقة منهما ..... فما كان منها إلا أن خلعت زهرة جميلة من إكليلها الباهظ الثمن و وضعته بلطف على النعش .... وأمرت الموكب أن يفسح الطريق للموكب الحزين حتى يصل إلى الكنيسة .... فتأثر الرجل وأنخرط في البكاء .... وبعد مرور عشرين عاما ، اندلعت الثورة الفرنسية .... و بدأ الحاكم الجديد ينتقم من الأمراء و النبلاء .... و أصدر أمرا بإبادة ذوى المكانة من النبلاء ....وأراد أن يتشفى بمنظرهم .... لذلك جلس على منصة كبيرة و كان يقف أمامه كل من كان تهمته إنه ينتمي لهذه الطبقة الغنية ...... وقف أمامه شاب و أخته وأمهما ... و كان الشاب ثائرا وحاول أن يدافع عن أهله لأنه لا يوجد عليهم أي تهمة .... و لكن الحاكم أمر بإعدام الثلاثة في الساعة التاسعة مساءا .... فاقتادهم الحارس للسجن ... و في الثامنة مساءا ، ذهب ليقتادهم للإعدام .... ولكنه سلم السيدة خطابا... و طلب منها ألا تفتحه إلا بعد الساعة التاسعة ... فاندهشت السيدة جدا ... فهذا هو موعد تنفيذ الحكم ....و لكنه سار بهم إلى طريق يصل إلى مركب تبحر إلى إنجلترا ..وأركبهم المركب دون أن ينطق بكلمة ... وأمر البحار أن يبحر وسط ذهولهم .... وكانت الساعة قد وصلت التاسعة .... ففتحت السيدة الخطاب وهي لا تفهم شيئا ...... فوجدت مكتوب فيه...." منذ عشرين سنة , في يوم زواجك ... وضعت زهرة جميلة من إكليلك على نعش شقيقتي الوحيدة ... و لا يمكنني أن أنسى هذه الزهرة ما حييت ... لذلك أنقذتك من الموت ، أنت وابنك وابنتك ..... فهذا دين علي...... "زهرة أنقذت ثلاث أنفس من الموت ....حقا يا عزيزي إن كان هذا الرجل لم ينس عمل محبة صغير تم منذ عشرين سنة و قدم لمن عملت معه هذا العمل مكافأة أعظم بكثير. فهل ينسى الله ما تقدمه لأجله .... من تضحية و خدمة و صوم و حمل الصليب .... فلا يكافئك عنها ! إن كلمة مشجعة تقولها لإنسان بائس ....ابتسامة لإنسان حزين ....عطية صغيرة لإنسان محتاج ...تترك أعظم الأثر في هذه النفوس .... لان الله ليس بظالم حتى ينسى عملكم و تعب المحبة التي اظهرتموها نحو اسمه( عبرانين 6 : 10 )
عزيزي القاريء، عزيزتي القارئة، من هو الذي أعجبك من شخصيات هذه القصة؟ هل الأميرة ماريان ابنة الكونت فيليب هذه الفتاة الرقيقة التي قدمت الزهرة؟ أم الشاب الذي صار الحاكم الذي عفا عنهم بسبب الزهرة؟ أم الاثنين معا؟ لقد أعجبني كل منهما. وتذكرت الآية: {اِرْمِ خُبْزَكَ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ فَإِنَّكَ تَجِدُهُ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ} (جامعة 12: 1) وتذكرت أيضا المكتوب: {لاَ تَضِلُّوا! اَللهُ لاَ يُشْمَخُ عَلَيْهِ. فَإِنَّ الَّذِي يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضًا ... فَلاَ نَفْشَلْ فِي عَمَلِ الْخَيْرِ لأَنَّنَا سَنَحْصُدُ فِي وَقْتِهِ إِنْ كُنَّا لاَ نَكِلُّ. فَإِذًا حَسْبَمَا لَنَا فُرْصَةٌ فَلْنَعْمَلِ الْخَيْرَ لِلْجَمِيعِ، وَلاَ سِيَّمَا لأَهْلِ الإِيمَانِ} (غلاطية6: 7-10) لقد زرعت هذه الأميرة {عَمَلِ الْخَيْرِ} وحصدت مثله. ورمت خبزها على وجه المياه وعاد إليها بعد أيام كثيرة.
عزيزي القاريء، عزيزتي القارئة، هذه القصة ذكرتني أيضًا بما قاله الرب يسوع لتلاميذه: {[مَنْ يَقْبَلُكُمْ يَقْبَلُنِي وَمَنْ يَقْبَلُنِي يَقْبَلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي ... وَمَنْ سَقَى أَحَدَ هَؤُلاَءِ الصِّغَارِ كَأْسَ مَاءٍ بَارِدٍ فَقَطْ بِاسْمِ تِلْمِيذٍ فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لاَ يُضِيعُ أَجْرَهُ»} (متى10: 40-42) لقد وعد الرب يسوع من يقبلونه ويقبلون خدامه ويعطونهم حتى كأسَ مَاءٍ بَارِدٍ، بمكافآت هنا، وفي الأبدية أيضا!
صلاة:
يا من وعدت أنك لن تنسى كأس ماء ..
أنت لأجلي سفكت كل الدماء.
أقبلك وأعطيك حياتي بكل رضاء
فامتلكني لأنتظرك وأعيش معك حتى السماء
آمين
زكريا استاورو