جسر من لحم و دم

كانت الأسرة التي هي عبارة عن أب وأولاده الأربعة تسكن في الطابق العلوي لعمارة شاهقة وتعيش أسعد حياة رغم موت الام المفاجيء إلا أن الأب كان نموذجا رائعا يحتذى به في معنى الأبوة والحب والحنان والرعاية إذ كان قد كرس كل حياته لخدمة أولادة وكان لهم الأب والأم والصديق معا.
شبت النيران في أحد الطوابق السفلية للعمارة وبدأت السنة اللهب تعلو مرتفعة إلى أعلى وكان الدخان الأسود الكثيف يملأ كل المنطقة داخل العمارة وبدأ خارجها أيضا.
فتح الأب باب الشقة ليهرب وينجو مع أولاده من الموت الرهيب حرقا بالنيران ولكنه وجد أن النار قد اشتعلت بالسلم والدخان يكاد أن يخنقه والسنة اللهب اقتربت من الشقة ففتح الشباك وأخذ ينادي ويستغيث بأعلى صوته لعل عربة المطافي تنقذه أو تأتي أي وسيلة آخرى للنجاة ولكن ويا للأسف وجد أن السنة النيران أقتربت نحوهم بسرعة هائلة وكان صوت النيران يعلو صوت صرخات السكان الذين كانوا يستغيثون أيضا ويصرخون ويطلبون النجاة في خوف ورعب عظيم.
قبل أن ييأس الأب خطرت له فكرة ونفذها سريعا وكانت الفكرة هي أن يلقي بنفسه في أتجاه المنزل المجاور وكان لا يبعد عن الشقة إلا بعض أشبار ويمسك بجدار الشرفة المقابلة بينما تظل قدماه مستنده على جدار نافذته وهكذا يعمل من جسمه جسر يستطيع أولاده أن يسيروا عليه فينجو من النيران ففعل هذا دون أن يفكر في خطورة هذا على حياته هو.
نادى الأب الأبن الأكبر : هيا يا ابني اعبر فوقي إلى المنزل المجاور فتنجو لكن الابن تردد فاتهره الأب لكي يسرع وتسلق الولد جدار النافذة وأخذ يسير على ظهر ابيه وعبرونادى الابن الثاني :اسرع يا ابني فالنار اصبحت قريبة جدا وعبر الابن ونجا وعبر الثالث أيضا مسرعا, لكن الأبن الاصغر تردد حينما رأى النيران وقد واصبحت قريبة جدا ورأى جسد أبيه يرتجف ويهتز ويرتعش وإذ بدأت قوة الأب تنهار وعضلاته ترتخي نتيجة للمجهود الجبار الذي بذله صرخ الأب وهو يشد يدية ورجليه حتى لا يسقط :يا ابني لم يبق هناك وقت تشجع اعبر مع اخوتك وإلا هلكت!
بدأ الابن الصغير يسير على ظهر ابيه بخطوات متعثرة بينما كانت انفاس الأب تتقطع وما أن عبر الابن الأصغر إلا وسقط الأب من هذا الارتفاع الشاهق جثة هامدة التهمتها النيران نعم مات الأب المحب الذي صنع من جسده جسر ليحيا الأبناء.
عزيزي القاريء عزيزتي القارئة بالتأكيد إنك أعجبت بهذا الأب الذي صنع من دمه جسر من لحم ودم لينجي أولاده لكن هناك من هو أعظم منه المكتوب عنه في الإنجيل : فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ والدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذَلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، وَيُعْتِقَ أُولَئِكَ الَّذِينَ خَوْفاً مِنَ الْمَوْتِ كَانُوا جَمِيعاً كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ.(عبرانين2: 14)
ورغم محبة هذا الأب لأولاده لكن محبته لنا أعظم فهذا الأب أحتمل الحريق الجسدي لكن - وإن كانت رهيبة لكنها – فهي محدودة بالمقارنة بآلام الرب يوع التي تحملها على الصليب من هو الجسر الحقيقي الذي من لحم ودم الجسر الذي يخلصنا ويصل بنا للسماء؟ إنه الرب يسوع المسيح مخلص العالم (يوحنا 32:4). فهل علمت ما عمله الرب يسوع المسيح ليكون كفارة ليس لأجل نجاة أربعة أولاد فقط بل لخطايا كل العالم؟ (1يوحنا 2:2) إذًا أدعوك لترافقني في هذه الرحلة السريعة عن آلام المسيح لتتأمل معي المحب الحقيقي الذي غرق لا في لهيب العمارة المحترقة بل غرق تحت دينونة خطايانا فصرخ {«غرقت في حمأة عميقة وليس مقر، دخلت إلى أعماق المياه والسيل غمرني»} (مزمور 2:69).
أولا الآلام من الأيدي البشرية: وهي الآلام التي احتملها المسيح عن طريق البشر وهي:
الآلام الجسدية: فالجلدات مزقت جسده العاري، والكلمات والضربات بالقصبة انهالت على وجهه وجبينه الذي غرسوا فيه بكل عنف إكليلاً من الشوك. ولقد حمل الصليب على ظهره المُمزق. ثم دُقت المسامير بوحشية في يديه ورجليه، يا لها من آلام رهيبة!
ثانيا الآلام النفسية: فخيانة يهوذا، وإنكار بطرس، وهرب باقي التلاميذ، والقبض عليه كلص، ثم ربط يديه، ثم العار الذي شعر به عندما عرّوه، واستهزأوا به بثوب الأرجوان، والقصبة في يمينه .. وكم كان شعوره عندما بصقوا في وجهه، وعندما لطمه العبد على وجهه الكريم! آه .. إنها آلام نفسية لا يمكن تصورها.
ثالثا آلام العدالة الإلهية: وهي الآلام التي احتملها المسيح من محكمة العدل الإلهي كبديل عنا.
1-وجود المسيح في مركز البدلية: اعتُبر المسيح القدوس وهو على الصليب بديلاً عنا كخاطئ، إذ قال {«حماقتي ... وذنوبي»} (مزمور 5:69)، وليس هذا فحسب بل إنه اعتُبر أيضًا أنه الخطية نفسها، كما هو مكتوب {الله جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه} (2 كو 21:5).
2-قبوله عار الخطية: إن عار الشعوب هي الخطية (أمثال 34:14) والعار يعني الفضيحة. وهكذا احتمل المسيح العار بدلاً منا حتى قال {«العار قد كسر قلبي، فمرضت»} (مزمور 20:69).
3-صار لعنة الخطية: فاللعنة التي لا بد أن تنصبَّ على رأس الخاطئ، انصبت على المسيح في الصليب، بل إنه هو نفسه صار لعنة لأجلنا (غلاطية 13:3).
4-احتماله عذاب الخطية: فالجحيم بكل ويلاته وعذاباته النفسية قد احتمله المسيح وهو يدفع أجرة خطايانا. اسمعه يقول {«صار قلبي كالشمع قد ذاب في وسط أمعائي. يبست مثل شقفة قوتي ولصق لساني بحنكي»} (مزمور 15:22). كل هذا احتمله الرب يسوع المسيح لأجلي ولأجلك لكي ينقذك.
فهل رأيت أيها العزيز أن ما قدمه الرب يسوع يفوق بما لا يُقاس ما قدمه مُنقذ نهر "البوتاماك"، لكي يهبك حياة أبدية؟ فهل تقبل حبل النجاة الذي يقدمه لك المسيح مخلص العالم؟ إذًا صل معي:
صلاة:
يا من احتملت نيران العدل الإلهي لأجل الخطية،
أنقذني الآن واعطني حياة أبدية،
فإني إنسان آثم
لكني أومن أنك المسيح مخلص العالم.
آمين