القديس أغسطينوس

ولد وُلِدَ الطفل أوغسطينوس في 23 من شهر نوفمبر سنة 354 ميلادية في مدينة تاجست، في مقاطعة نوميديا، المعروفة الآن بـ "سوق أخرس" قُرب بلدة عنابة بالجزائر، من أب اسمه باترسيوس  وهو رجل من قبائل البربر، لكنه تمتع بالجنسية الرومانية، وثني الديانة ومن أم هي مونيكا وهي فتاة من عائلة مسيحية، قَبِلت التعاليم المسيحية من والدتها، ومربيتها، ومع أن أوغسطينوس يُعتبر من البربر إلا أنه كان متمتعاً بالجنسية الرومانية، كان أوغسطينوس ومعنى اسمه ملك صغير , التحق أوغسطينوس بالمدرسة الابتدائية في مدينته "تاجست" وحين أتم مرحلته التعليمية الأولى أرسله أبواه إلى معهدٍ شهير في مدينة مادورا ليدرس القواعد والبيان.ودرس اليونانية حتى جاء عام 369م وكان عام الفساد في حياة الشاب أوغسطينوس، رغماً عن كل محاولات أمه لحمايته من الوقوع في براثن الشر والرذيلة. في عام370 م كانت تجمع والديه رغبة في تعليمه الدرس والعلم والثقافة، وحين جاءت الفرصة لِيُكمِل تعليمه سافر إلى قرطاجة بالقرب من تونس الحالية، ليتلقى علومه ودراسته العليا، وقد كانت قرطاجة مدينة العلم التي بناها وشيّدها الرومان في أفريقيا ,لم يستقر أوغسطينوس في قرطاجة حتى تعرف على فتاة فقيرة صارت له صديقة ، وعاشا معاً نحو 14 عاماً أنجب خلالها ابن دعاه اديوداتوس ، في هذه الفترة انكب أوغسطينوس وواظب على درس علومه بشغف ونهم، وأصبح تواقاً للنجاح والتفوق على أقرانه، ولم يكن هذا التغيير عن رغبة في التعلّم الخالص بل في سبيل أن يحظى بتمجيد الناس له، على أن أوغسطينوس عرف من خلال دراسته أن الحق وحده هو الذي يقود الإنسان إلى السعادة.
في عام 383م وصل أوغسطينوس إلى روما وفيها تقابل مع الأسقف أمبرسيوس أسقف ميلانو، وقد كان أمبرسيوس خطيباً مفوهاً، مما جذب إليه أوغسطينوس، وحين جاءه أوغسطينوس لم يجده خطيباً مقتدراً فقط بل عالماً قوي الحجة والمنطق، دارساً للكتاب المقدس وقادراً على صياغة المفاهيم الروحية، ووجده راعياً يجيد التعامل مع رعيته، فتوطدت العلاقة بين الشاب أوغسطينوس والأسقف والمعلم أمبرسيوس,وفي هذه الأثناء جاءت أمه مونيكا لتكون بجانبه، ولتعمل على خلاصه من صديقته، فاستجاب لها ترك صديقته ترحل لبلادها، بينما يحتفظ بابنه اديوداتوس الذي أحبه ورأى فيه من الذكاء والنبوغ
والعبقرية.وذات يوم روى سمبليشيانوس وهو صديق لأوغسطينوس، عن صديقه فيكتوريانوس، الذي كان يعمل أستاذاً للفلسفة، ومعروفاً بوثنيته الشديدة، كيف قَبِلَ المسيح مخلصاً شخصياً لحياته، وآمن به رباً على حياته مما أثَّر في أوغسطينوس تأثراً بالغاً حتى جاء عام 386م حيث كان أوغسطينوس يسكن مع صديق له اسمه اليبوس,كان الله يتعامل مع أوغسطينوس في مراحل عمره المختلفة، حتى وإن كان أوغسطينوس لا يدرك معاملات الله له، فقد تحدث الله إليه في موت صديقه، وفي دراسته للفلسفة، وفي قراءته للكتاب المقدس، ومن خلال عظات الأسقف أمبرسيوس، وفي تعاليم وصلوات أمه ، فيخرج إلى حديقة المنزل الذي يسكنه، وهناك في الحديقة ووسط أزمته وتساؤلاته الحائرة، راح يبحث عن الحقيقة، ويتأمل فيما صنعه الله معه، كان حائراً يائساً، لكن أمامه أملاً في أن يلتقي بالحقيقة، يلتقي بالله، وحين كتب يشرح هذه اللحظات التي جعلت منه قديساً في المسيح قال "ذهبت إلى البستان تحت تأثير العاصفة التي عصفت بقلبي دون أن يقوى أحد على تهدئتها، وحدك يا رب تعرف حداً لذاك الاضطراب، أما أنا فقد كنت أجهله، رغم أني كنت أسير نحو الشفاء وأموت عن الحياة، مدركاً ما كنت عليه من إثم، جاهلاً ما سأصير إليه من صلاح قريب .. انفردت في الحديقة فلحق بي اليبوس، خطوة خطوة، ومع أنه كان بجانبي بقيت أشعر بوحشة.. جلست ارتجف بشدة غضباً لكوني لم أقبل مشيئتك وميثاقك يا إلهي، تعذَّبت ونقمتُ بشدة على نفسي، تقلَّبتُ وتململتُ في قيودي وكدتُ أحطمها، لكنني بقيت موثقاً بأحد قيودها الضعيفة .. بقيت متأرجحاً بين الموت عن الموت.سألت نفسي كيف يعيش المؤمنبن الحقيقين في عفاف هل يمكنك أنت أن تعمل ما تصَّل إليه؟ أولئك لم يصلوا إلى ما هم عليه بقدرتهم الشخصية، بل بقوة يسوع المسيح، وأنت فما بالك تتردد بين نعم ولا؟. ألق بنفسك بين يديه ولا تجزع فانه لا يتخلى عنك ولا يدعك تسقط .. وإذ كنت غائصاً في بحر من التفكير والتأمل .. قلت حتى متى يا رب؟. نطقت بهذا الكلام وبكيت بكاءاً مراً بقلب منسحق، فطرق أذني بغتةً صوت من خارج من بيت جيران خُيّل إليّ أنه صوت صبي أو صبية يغني مردداً: "خذ وأقرأ‍‍‍! خذ وأقرأ‍‍‍!.. ومن ثمَّ حبست دموعي ونهضت لأني رأيت في ذلك الصوت نداءً سماوياً يدعوني إلى أن أفتح كتاب الرسول بولس وأقرأ أول فصل يقع عليه نظري عدت مسرعاً إلى حيث تركت كتاب الرسول بولس فأخذته وفتحته وقرأت سراً أول فصل وقع نظري عليه: هَذَا وَإِنَّكُمْ عَارِفُونَ الْوَقْتَ أَنَّهَا الآنَ سَاعَةٌ لِنَسْتَيْقِظَ مِنَ النَّوْمِ فَإِنَّ خَلاَصَنَا الآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا. قَدْ تَنَاهَى اللَّيْلُ وَتَقَارَبَ النَّهَارُ فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ الظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ النُّورِ. لِنَسْلُكْ بِلِيَاقَةٍ كَمَا فِي النَّهَارِ لاَ بِالْبَطَرِ وَالسُّكْرِ لاَ بِالْمَضَاجِعِ وَالْعَهَرِ لاَ بِالْخِصَامِ والْحَسَدِ. بَلِ الْبَسُوا الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَلاَ تَصْنَعُوا تَدْبِيراً لِلْجَسَدِ لأَجْلِ الشَّهَوَاتِ (رومية 11:13 -14)
بعد أن آمن أوغسطينوس بالمسيح، وملَّكه رباً وسيداً على حياته، تغيَرت حياته تماماً، لقد تأثر أوغسطينوس كثيراً برسول المسيحية بولس حين اختلى بعيداً عن العالم وأصدقائه , وبعدها خرج أوغسطينوس من عزلته، وكان قد قرر قطع علاقته وصلاته بماضيه الآثم، ليكرس نفسه تماماً لخدمة الله، ورجع عائداً إلي بلدته تاجست، حيث أسس كنيسة للتعبد عاش فيه مع بعض أصدقائه نحو ثلاث سنوات، حيث كان يقوم بدراسة كلمة الله، الكتاب المقدس، وكتابة هذه التأملات في شكل دراسات وكتيبات، وكتب يوزعها على من يرغب في التعلُم ومعرفة الله وكلّمِته. وظل أوغسطينوس أسقفاً في مدينة هيبو، وظل أسقفاً لها لمدة 38 عاماً، حتى أنطلق إلي سماء المجد في 28 أغسطس عام 430 ميلادية، لتكون أيام عمره على الأرض، نحو 76 عاماً.
بعدما أثرى الكنيسة خدما زكتابة وعلما ولاهوتا ومازالت كتاباته بركة للملاين إلى يومنا هذا
عزيزي القاريء تمتع القديس أوغسطينوس بالمكتوب :لأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَتْ نِعْمَةُ اللهِ الْمُخَلِّصَةُ لِجَمِيعِ النَّاسِ، مُعَلِّمَةً إِيَّانَا أَنْ نُنْكِرَ الْفُجُورَ وَالشَّهَوَاتِ الْعَالَمِيَّةَ، وَنَعِيشَ بِالتَّعَقُّلِ وَالْبِرِّ وَالتَّقْوَى فِي الْعَالَمِ الْحَاضِرِ، مُنْتَظِرِينَ الرَّجَاءَ الْمُبَارَكَ وَظُهُورَ مَجْدِ اللهِ الْعَظِيمِ وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ،(تيطس2: 11-13) فهل تمتعت أنت بهذه النعمة وأختبرت التغير في المسيح هل تصلي معي؟
صلاة: يا من جعلت أوغسطينوس قديس بعد أن كان شرير أنا أيضا أعيش في الشر المرير أرحمني وأمنحني التحرير بقوة دمك أمنحني التطهير أمين