الكارز الاعظم

صديقي القارئ العزيز .. صديقتي القارئة العزيزة، هل سمعت عن مستر "إيستيمان" خادم الإنجيل في الجيش الأمريكي الذي أصيب إصابة بالغة أثناء معركة "جوتنبرج" في أمريكا وسقط من علي فرسه، واضطر أن ينطرح علي ظهره في الميدان طوال الليل. وبينما هو هكذا في آلامه وجراحه سمع صوتًا في الظلام يقول:
«يا إلهي، إني في شقائي أذهب إلي الجحيم». فقال "إيستيمان" لنفسه:
«كيف يمكنني أن أصل إليه؟»
وإذ لم يمكنه أن يمشي، بدأ يزحف ويتدحرج علي الدماء في وسط الأجساد الميتة، إلي أن وصل للرجل المشرف علي الموت، وبشره بخلاص المسيح الكامل الذي عمله بموته علي الصليب، فسلم الرجل الجريح حياته للمسيح وتمتع بسلام الله، ورقد ليتقابل مع الرب يسوع في السماء.
ولما انتهي "إيستيمان" من هذه الخدمة طلبوه ليتحدث عن الرب يسوع بالإنجيل إلي ضابط كان يلفظ أنفاسه الأخيرة، فحمله جنديان وأوصلاه للضابط فبشره وربحه للمسيح، وهكذا أخذوا ينقلونه طوال الليل من رجل يموت إلي آخر، ليبشرهم ويربحهم للمسيح.
لقد كان مضطرا أن يعمل ذلك حبا لله، وغيرة علي النفوس رغم جراحه والآلام الرهيبة التي يعاني منها وهو مضطجع علي ظهره.
إن مستر "إيستيمان" هذا، هو صوره باهتة لرابح النفوس العظيم الذي كُتب عنه {يَسُوعُ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ كَيْفَ مَسَحَهُ اللهُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ والْقُوَّةِ، الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ لأَنَّ اللهَ كَانَ مَعَهُ ... الَّذِي أَيْضًا قَتَلُوهُ مُعَلِّقِينَ إِيَّاهُ عَلَى خَشَبَةٍ} (أعمال10: 38و39).
وهذا البعض القليل مما يميز حياة وخدمة هذا الكارز الأعظم العجيب:
رقته وحنانه: ما أرقه فعلاً؛ فهو لم يجرح مشاعر إنسان طوال خدمته الكرازية، انظر كلماته مع السامرية: {فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «أَعْطِينِي لأَشْرَبَ» ... قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «حَسَنًا قُلْتِ لَيْسَ لِي زَوْجٌ ... «هَذَا قُلْتِ بِالصِّدْقِ»} (يوحنا4: 7و17و18). حتى مع التي أُمسكت وهي تزني في ذات الفعل: {وَأَمَّا يَسُوعُ فَانْحَنَى إِلَى أَسْفَلُ وَكَانَ يَكْتُبُ بِإِصْبِعِهِ عَلَى الأَرْضِ ... وََقَالَ لَهُمْ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ!» ثُمَّ انْحَنَى أَيْضًا إِلَى أَسْفَلُ وَكَانَ يَكْتُبُ عَلَى الأَرْضِ ... فَلَمَّا انْتَصَبَ يَسُوعُ وَلَمْ يَنْظُرْ أَحَدًا سِوَى الْمَرْأَةِ قَالَ لَهَا: «..أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟» فَقَالَتْ: «لاَ أَحَدَ يَا سَيِّدُ». فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «ولاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا»} (يو8: 7-11). لقد ذُكر عنه كثيرًا أنه تحنن, لقد تحنن فأزال انزعاجهم (مت9: 36) وشفى مرضاهم (مت14: 14) وأشبع جوعاهم (مت14: 20) وفتح أعينهم (مت20: 34) وشفى برصهم (مرقس1: 41) وعلم جهالهم (مرقس6: 34) وأقام موتاهم (لو7: 13) وضمد جراحاتهم (لوقا10: 33) ورد ضلالهم (لوقا15: 20).
لمساته: لم يكن الرب يسوع يقدم تعاليمه وكرازته من برج عال منفصل عن الجموع، بل كان يتلامس مع الجموع قلبيًا وحرفيًا ولا سيما مع المنبوذين والمكروهين، مثل الأبرص (مر1: 41) والأعميان في كفرناحوم (مت9: 29) وفي أريحا (مت20: 34) وفي بيت صيدا (مر8: 23-25) والأصم الأعقد (مر7: 33) بل والميت في نايين (لو7: 14و15) حتى أذن ملخس الذي جاء للقبض عليه لمسها (لو22: 15). ولقد سمح للآخرين بكل الحب أن يلمسوه, {وَأَحْضَرُوا إِلَيْهِ جَمِيعَ الْمَرْضَى وَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَلْمِسُوا هُدْبَ ثَوْبِهِ فَقَطْ. فَجَمِيعُ الَّذِينَ لَمَسُوهُ نَالُوا الشِّفَاءَ} (مت14: 36) ونازفة الدم (مر5: 27) والمرأة الخاطئة (لو7: 39) ما أحلاه! لقد قال عن نفسه {... وتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ} (متى11: 29)
دموعه: سأل الجنرال "وليم بوث" مؤسس جيش الخلاص أحد المؤمنين الشيوخ الأتقياء: «لا أدري ماذا أفعل لهذا المكان، لقد جربت الوعظ والصلاة والترنيم ولا يزال الناس قساة جدًا، فماذا أفعل؟ أجابه الشيخ: «جرب الدموع»! وهل يوجد مثل الرب يسوع الكارز الأعظم الذي ينطبق عليه المكتوب: {الذَّاهِبُ ذِهَابًا بِالْبُكَاءِ حَامِلاً مِبْذَرَ الزَّرْعِ مَجِيئًا يَجِيءُ بِالتَّرَنُّمِ حَامِلاً حُزَمَهُ}؟ (مزمور126: 6) انظره وهو يبكي على أورشليم: {نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَكَى عَلَيْهَا} (لوقا19: 41) وعند قبر لعازر: {بَكَى يَسُوعُ} (يوحنا11: 35) وكُتب عنه: {الَّذِي، فِي أَيَّامِ جَسَدِهِ، إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طِلْبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ} (عبرانيين5: 7)
غيرته وتعبه: سأل أحد خدام الرب، المبشر الشهير "جون وسلي": «لماذا تحتشد الجماهير بالآلاف لتصغي إلي وعظك؟» فأجاب "وسلي": «إني أحب الرب يسوع جدًا، ونيران حبه تشتعل في داخلي، وأظن أنه من الطبيعي أن الناس تقف لتتأمل الحريق، وبينما هي هكذا أقدم لهم أهم وأحلي وأعظم بشارة, بشارة الإنجيل»! أما الرب يسوع رب ومخلص "وسلي", فهو المكتوب عنه: {«غَيْرَةُ بَيْتِكَ أَكَلَتْنِي»} (يوحنا2: 17) الذي قال: {«جِئْتُ لأُلْقِيَ نَارًا عَلَى الأَرْضِ فَمَاذَا أُرِيدُ لَوِ اضْطَرَمَتْ؟ وَلِي صِبْغَةٌ أَصْطَبِغُهَا وَكَيْفَ أَنْحَصِرُ حَتَّى تُكْمَلَ؟»} (لوقا12: 49و50) {يَنْبَغِي أَنْ أَعْمَلَ أَعْمَالَ الَّذِي أَرْسَلَنِي مَا دَامَ نَهَارٌ} (يوحنا9: 5) إنها {... غَيْرَةَ اللهِ} (2كورنثوس11: 2) مكتوب عنه: {فَإِذْ كَانَ يَسُوعُ قَدْ تَعِبَ مِنَ السَّفَرِ جَلَسَ هَكَذَا عَلَى الْبِئْرِ} (يوحنا4: 6) {وَكَانَ هُوَ فِي الْمُؤَخَّرِ عَلَى وِسَادَةٍ نَائِمًا} (مر4: 38) {وَلَمْ تَتَيَسَّرْ لَهُمْ فُرْصَةٌ لِلأَكْلِ} (مرقس6: 31). انظر (يوحنا4: 30-34).
مثابرته: قال عن نفسه: {وَيَذْهَبَ لأَجْلِ الضَّالِّ حَتَّى يَجِدَهُ} (لو15: 4) انظر مثابرته مع مريض بيت حسدا: {بَعْدَ ذَلِكَ وَجَدَهُ يَسُوعُ فِي الْهَيْكَلِ وَقَالَ لَهُ: «هَا أَنْتَ قَدْ بَرِئْتَ فلاَ تُخْطِئْ أَيْضًا لئلا يَكُونَ لَكَ أَشَرُّ»} (يوحنا 5: 14) ومع المولود أعمى: {فَسَمِعَ يَسُوعُ أَنَّهُمْ أَخْرَجُوهُ خَارِجًا فَوَجَدَهُ وَقَالَ لَهُ: «أَتُؤْمِنُ بِابْنِ الله؟»} (يوحنا9: 35) ومع شاول الطرسوسي أذ أرسل له حنانيا (أعمال9: 15)
أولوياته: كان مجد الله وطاعته هو هدفه (يوحنا5: 43و44و7: 18) وكان الإنسان هو أهم أولوياته. كم يأسُرني حبه عندما كان يصنع الكثير من معجزات شفائه وخدماته الكرازية يوم السبت {ثُمَّ قَالَ لَهُمُ: «ﭐلسَّبْتُ إِنَّمَا جُعِلَ لأَجْلِ الإِنْسَانِ لاَ الإِنْسَانُ لأَجْلِ السَّبْتِ. إِذًا ابْنُ الإِنْسَانِ هُوَ رَبُّ السَّبْتِ أَيْضًا»} (مرقس2: 27و28) {فلو علمتم ما هو، إني أريد رحمة لا ذبيحة ...} ( متى12: 7)
تضحيته: سمعنا عن كارزين ماتوا "كجيمس تشارلمرز" الذي ذبحوه وطبخوه وأكلوه مع نبات الساجو في "بابا نيو جينيا"، ولكن يظل الكارز الأعظم هو المثال الأعظم للتضحية، فهو الذي قال عن نفسه: {إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلَكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ} (يوحنا 12: 24)
صديقي القارئ العزيز .. صديقتي القارئة العزيزة، هل نقترب أكثر من هذا الكارز العظيم لنتعلم منه فنعيش كما عاش؟
زكريا استاورو

 

 

 


PAGE


PAGE 3