مفرش السفرة

مفرش السفرة
بعد صلاة طويلة وطلب لفكر الرب,وافق الخادم الشابّ وزوجته أن يقبلا الخدمة في الكنيسة القديمة في وسط البلد, كان مبنى الكنيسة قبلاً تحفة معمارية رائعة، ولكن الآن وبعد مرور عشرات السنين يحتاج المبنى إلى كثير من الترميم. وفعلا بدأ الخادم وزوجته العمل على ترميم المبنى وصيانته على أن ينتهيا من العمل قبل ليلة رأس السنة.
وبعد الترميم والدهان والصيانة والأنوار بدا المبنى رائع وكأنه عاد إلى أيام شبابه، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن, فلقد حدث ما لم يكن متوقعًا؛ هبت عاصفة ثلجية عنيفة مما أدى إلى انهيار كامل لجزء من الحائط الخلفي للمنبر, وتركت العاصفة فتحة كبيرة في الحائط حتى أن الخادم وزوجته أصيبا بالاحباط الشديد، فلقد ضاع عملهما طوال الشهور الماضية. وكيف يمكن الاحتفال بليلة رأس السنة في الكنيسة، والمنبر قد صار مكشوفًا للشارع؟ والوقت المتبقي لا يكفي للهدم والبناء؟
حضر الخادم الذي كان يشعر بالحزن لما حدث، مع زوجته، مزادًا خيريًا للشباب عُقد بجوار الكنيسة ,ومن بين ما عرضه الشبان في المزاد مفرش سفرة قديم منظره بديع, قرمزي اللون ومطرز بخيوط ذهبية يبلغ طوله حوالي ثمانية أمتار، فما أن رأى الخادم هذا المفرش لمعت عيناه وخطرت على باله فكرة ملأت قلبه بالفرح؛ لماذا لا يشتري هذا المفرش ويغطي به الحائط المثقوب خلف المنبر حتى تمر ليلة رأس السنة، وبعدها يمكنه أن يعيد بناء الجزء الخلفي للكنيسة؟! اشترى الخادم المفرش بستة دولارات ونصف ثم غطى به الحائط الخلفي وبدأت الكنيسة الاستعداد لليلة رأس السنة.
بينما كان الخادم في الليلة السابقة لليلة رأس السنة يشرف على اللمسات النهائية لترتيب وتجهيز المكان لاحظ وقوف سيدة في البرد القاسي في محطة الأتوبيس القريبة من الكنيسة ولعلمه أن أول أتوبيس سوف يأتي بعد 45 دقيقة، وجه إليها الدعوة للجلوس داخل الكنيسة حتى يأتي الأتوبيس فوافقت شاكرة لطفه.
ما أن دخلت السيدة الكنيسة حتى بدأت تصرخ بأعلى صوتها:
«مستحيل! لا أستطيع أن أصدق، مفرش السفرة القديم! من أحضرك إلى هنا يا مفرش سفرتي الغالي؟»
هدَّأ الخادم من روع المرأة وهو يسمعها في ذهول:
«إن هذا المفرش بكل تأكيد هو مفرش سفرتي التي كانت في شقتي في "فيينا" بالنمسا. به علامات تدل على أنه بكل تأكيد مفرشي. لقد تركت النمسا منذ سنوات طويلة بعد الحرب العالمية الثانية خوفًا من النازيين. قررنا أنا وزوجي الهرب إلى سويسرا. ولقد سافرت إلى سويسرا قبل زوجي الذي انتظرت طويلاً أن يأتيَ ليلحق بي، لكنه لم يحضر. وعلمت بعد ذلك بسنوات أنه مات في معسكرات اللاجئين المكتظة ولا أعرف أين قبره إلى اليوم. ولقد أتيت اليوم هنا لهذه المنطقة من المدينة لعمل مقابلة مع إحدى العائلات الغنية لأعمل معهم وتركت لهم عنواني وتليفوني ليخبروني بنتيجة المقابلة».
تأثر الخادم وزوجته بقصة هذه المرأة وقررا أن يعيدا لها مفرش السفرة رغم احتياجهما الماسّ إليه، لكن السيدة رفضت وقالت لهما أنه هدية منها للكنيسة، وغادرت المكان.
كانت ليلة رأس السنة مباركة جدًا في هذا العام، ليس فقط بسبب الترميمات والترتيبات الجديدة في المبنى، ولكن الترنيمات والصلوات والخدمات أيضًا كانت مباركةً، وشعر الجميع في الكنيسة بأنهم في السماء وهم على الأرض!
بعد نهاية الاجتماع، وبينما كان الجميع يتبادلون التهاني ببدء العام الجديد، اقترب رجل من الحاضرين إلى الخادم وفاجأه قائلا:
«كل شيء رائع في هذه الليلة، لكنني لا أستطيع أن أعرف كيف جاء مفرش سفرتي القديم إلى هنا في الكنيسة؟!»
استمع الخادم بكل انتباه للرجل الذي أردف قائلا:
«كان هذا المفرش يزين سفرتي في "فيينا"، ولكن زوجتي – رحمها الله - سافرت إلى سويسرا قبلي هربًا من النازيين. وعندما سافرتُ لألحق بها لم أجدها، وتأكدت يومها من أنها فارقت الحياة ولا أعلم قبرها حتى اليوم».
لم يتمالك الخادم دموعه من هول الصدمة السعيدة، وبعدما تذكر بصعوبة اسم العائلة التي قَدُمَت السيدة للعمل عندها، حصل على العنوان والتليفون. ولم يصدق الزوجان أنهما التقيا بعد هذه السنين، وكان مفرش السفرة هو كلمة السر.
صديقي القاريء العزيز .. قارئتي العزيزة، هل أذهلتك تلك القصة الحقيقية كما أذهلتني؟ فمنها تعلمتُ ليس فقط: {أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ} (رومية8: 28)، فالعاصفة كانت بركة في النهاية. ولكني تعلمتُ أيضًا أن مفرش السفرة القرمزي اللون الذي غطى الفتحة الغائرة في الحائط وكان سبب السعادة ولمَّ شمل هذه الأسرة، يذكرني بدماء المسيح القرمزية التي سالت وغطت جنب الرب يسوع على الصليب, {لَكِنَّ وَاحِدًا مِنَ الْعَسْكَرِ طَعَنَ جَنْبَهُ بِحَرْبَةٍ، وَلِلْوَقْتِ خَرَجَ دَمٌ وَمَاءٌ} (يوحنا19: 34-37). وإن كان مفرش السفرة مطرزًا بالذهب فإن دماء المسيح أغلى جدًا من الذهب، فإنه مكتوب: {عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ ... بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ، مَعْرُوفًا سَابِقًا قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ} (1بطرس1: 18-20).
إنه كالحبل القرمزي الذي احتمت فيه راحاب الزانية قديمًا: {فَارْبِطِي هَذَا الْحَبْلَ مِنْ خُيُوطِ الْقِرْمِزِ فِي الْكُوَّةِ الَّتِي أَنْزَلْتِنَا مِنْهَا, وَاجْمَعِي إِلَيْكِ فِي الْبَيْتِ أَبَاكِ وَأُمَّكِ وَإِخْوَتَكِ وَسَائِرَ بَيْتِ أَبِيكِ ... فَدَخَلَ الْجَاسُوسَانِ وَأَخْرَجَا رَاحَابَ وَأَبَاهَا وَأُمَّهَا وَإِخْوَتَهَا وَكُلَّ مَا لَهَا, وَكُلَّ عَشَائِرِهَا وَتَرَكَاهُمْ خَارِجَ مَحَلَّةِ إِسْرَائِيلَ. وَأَحْرَقُوا الْمَدِينَةَ بِالنَّارِ مَعَ كُلِّ مَا بِهَا} (يشوع2: 18و6: 23) فهل تأتي لتحتمي في جنب المسيح الذي فُتح لأجلنا في الصليب لتتمتع بالشركة معه والفرح والسلام بدل الضياع؟ هل تصلي معي؟
صلاة:
يا من جُرحت بأقسى الجراح
لتخلصني من الأتراح
وتمنحني السماح
ألقي عندك خطاياي لتخلصني فأرتاح..
آمين.
زكريا استاورو