تمثال سوسة القطن

ولاية "ألاباما" الأمريكية هي واحدة من الولايات الجنوبية. ويبلغ عدد سكانها حوالي 5 مليون نسمة. وكانت "ألاباما" - كباقي ولايات الجنوب منذ الحرب الأهلية الأمريكية وحتى الحرب العالمية الثانية - تعاني أقتصاديا. ولكنها الآن تتمتع بالرخاء الاقتصادي.
وتسمى ولاية "ألاباما" بأنها ولاية "الييلوهامر"  نسبة لطائر "الييلوهامر" الجميل المنتشر هناك. وعاصمة الولاية هي مدينة "مونتجومري
وتعتبر مدينة "إنتربرايس من أشهر مدن الولاية. وهذه المدينة تشتهر بتمثال "سوسة القطن ؛ وهو عبارة عن تمثال عظيم لامرأة ترفع عاليا سوسة من سوس القطن. وهذا التمثال يقف شامخا في أكبر ميادين مدينة "إنتربرايس". ويمكنك أن تراه حتى يومنا هذا. ولكن لماذا هذا التثمال بالذات؟ لقد تعودنا على أن تقام التماثيل والنُصُب التذكارية للعظماء والأبطال، أو للرموز الدينية أو القومية أو الرياضية. ولكن لماذا يقام تمثال ضخم لسوسة في ميدان عظيم لمدينة كبيرة؟
كانت ولاية "ألاباما" تعتمد على زراعة القطن، حتى جاء عام 1915م فظهرت سوسة القطن من فصيلة  في الولاية. وبعد أن كانت قد دمرت محاصيل القطن في "المكسيك"، دمرت محصول القطن في ولاية "ألاباما" تماما. وفقد المزارعون كل رزقهم.
وفي عام 1918م اقتنع رجل يدعى "هـ. م سيشنس" أنه آن الأوان لتحويل اتجاه الولاية لتنتج الفول السوداني   بدل القطن. واستطاع "سيشنس" أن يقنع واحدا من أغنى مزارعي الولاية، وهو "س. و. باستون" C. W. Baston أن يخوض المغامرة ويزرع الفول السوداني بدلا من القمح. وعندما زرع "باستون" الفول السوداني، نجح المشروع نجاحا عظيما. وفي أول حصاد، حقق ثروة هائلة من المال، مما أدى إلي أن المزارعين اقتدوا به. ورغم أن القطن بدأ يُنتج من جديد، إلا أن المزارعين كانوا قد تعلموا الدرس وأيقنوا أن أرباح محصول الفول السوداني يفوق بما لا يقاس أرباح القطن.
خطرت فكرة تمثال سوسة القطن على بال "بون فلمنج" Bon Fleming، وهو رجل أعمال. ودشن التمثال الذي صنع في "إيطاليا". وكلف وقتها حوالي 1800 دولارا أمريكيا، في 11 ديسمبر 1919م. فلولا سوسة القطن لما كانوا قد اتجهوا لزراعة الفول السوداني الذي أكسبهم الثروة الطائلة. وكان التمثال عبارة عن السوسة دون وضعها فوق التمثال. وفكر "لوثر بيكر" Luther Baker بوضع تمثال للسوسة نفسها في قمة التمثال, ولكن السوسة سُرقت مرة ومرات، بل وسرق كل التمثال عدة مرات. وفي كل مرة كانت المدينة تعيده وتصلحه. حتى جاء يوم 11 يوليو 1998م حيث سرق المخربون السوسة، وأتلفوا جزءً من التمثال, ولما وجد قادة المدينة أنه من الصعب إصلاح التمثال الأصلي، وضعوا نموذجا طبق الأصل له في الميدان، أما التمثال الحقيقي فوضع في متحف مدينة "إنتربرايس" ووضعت كاميرا مراقبة لحماية التمثال من المخربين.
صديقي القاريء العزيز، صديقتي القارئة العزيزة: كيف يُخَلِّد أهل "ألاباما" السوسة التي هي رمز التسوس واللعنة والإفساد، ويقيموا لها تمثالا في أعظم ميادين بلدهم؟ بالطبع إنهم لا يخلدون السوسة في ذاتها؛ فهي شر، وقد دمرت المحاصيل، ولكنهم يخلدون ما وراء ما فعلته السوسة، وهو زرع الفول السوداني الذي أدر بالخيرات عليهم!
شيء صعب ومؤلم ومدمر يخرج من خلاله الخير! هذه الفكرة تملأ الكتاب المقدس الذي يعلمنا أَنَّ «كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعاً لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ» (رومية8: 28) فلولا خيانة إخوة "يوسف"، وكذب زوجة "فوطيفار"، وسجن "يوسف"، ما خرج للمجد, «بِيعَ يُوسُفُ عَبْداً. آذُوا بِالْقَيْدِ رِجْلَيْهِ. فِي الْحَدِيدِ دَخَلَتْ نَفْسُهُ إِلَى وَقْتِ مَجِيءِ كَلِمَتِهِ. قَوْلُ الرَّبِّ امْتَحَنَهُ. أَرْسَلَ الْمَلِكُ فَحَلَّهُ. أَرْسَلَ سُلْطَانُ الشَّعْبِ فَأَطْلَقَهُ ... فَجَاءَ إِسْرَائِيلُ إِلَى مِصْرَ ... جَعَلَ شَعْبَهُ مُثْمِراً جِدّاً وَأَعَزَّهُ عَلَى أَعْدَائِهِ» (مزمور105: 17-24) حتى أنه قال لإخوته: «لأَنَّهُ لاسْتِبْقَاءِ حَيَاةٍ أَرْسَلَنِي اللهُ قُدَّامَكُمْ ... فَقَدْ أَرْسَلَنِي اللهُ قُدَّامَكُمْ لِيَجْعَلَ لَكُمْ بَقِيَّةً فِي الأَرْضِ وَلِيَسْتَبْقِيَ لَكُمْ نَجَاةً عَظِيمَةً. فَالآنَ لَيْسَ أَنْتُمْ أَرْسَلْتُمُونِي إِلَى هُنَا بَلِ اللهُ ... لاَ تَخَافُوا. لأَنَّهُ هَلْ أَنَا مَكَانَ اللهِ؟ أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرّاً (مثل سوسة القطن) أَمَّا اللهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْراً لِكَيْ يَفْعَلَ كَمَا الْيَوْمَ لِيُحْيِيَ شَعْباً كَثِيراً» (تكوين45: 5-8و50: 19-20) وهذا ينطبق على أتون النار الذي صنعه "نَبُوخَذْنَصَّرُ" ودخل فيه الفتية الثلاثة وشهدُ: «تَبَارَكَ إِلَهُ "شَدْرَخَ" وَ"مِيشَخَ" وَ"عَبْدَنَغُو" الَّذِي أَرْسَلَ مَلاَكَهُ وَأَنْقَذَ عَبِيدَهُ الَّذِينَ اتَّكَلُوا عَلَيْهِ وَغَيَّرُوا كَلِمَةَ الْمَلِكِ وَأَسْلَمُوا أَجْسَادَهُمْ لِكَيْ لاَ يَعْبُدُوا أَوْ يَسْجُدُوا لإِلَهٍ غَيْرِ إِلَهِهِمْ ... كُلَّ شَعْبٍ وَأُمَّةٍ وَلِسَانٍ يَتَكَلَّمُونَ بِالسُّوءِ عَلَى إِلَهِ "شَدْرَخَ" وَ"مِيشَخَ" وَ"عَبْدَنَغُو" فَإِنَّهُمْ يُصَيَّرُونَ إِرْباً إِرْباً وَتُجْعَلُ بُيُوتُهُمْ مَزْبَلَةً إِذْ لَيْسَ إِلَهٌ آخَرُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَجِّيَ هَكَذَا. حِينَئِذٍ قَدَّمَ الْمَلِكُ "شَدْرَخَ" وَ"مِيشَخَ" وَ"عَبْدَنَغُوَ" فِي وِلاَيَةِ بَابِلَ» (دانيال3: 28-30) وجُب الأسود الذي دخل فيه دانيآل, «حِينَئِذٍ فَرِحَ الْمَلِكُ بِهِ وَأَمَرَ بِأَنْ يُصْعَدَ دَانِيآلُ مِنَ الْجُبِّ. فَأُصْعِدَ دَانِيآلُ مِنَ الْجُبِّ وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ ضَرَرٌ لأَنَّهُ آمَنَ بِإِلَهِهِ. فَأَمَرَ الْمَلِكُ فَأَحْضَرُوا أُولَئِكَ الرِّجَالَ الَّذِينَ اشْتَكُوا عَلَى دَانِيآلَ وَطَرَحُوهُمْ فِي جُبِّ الأُسُودِ ... ثُمَّ كَتَبَ الْمَلِكُ دَارِيُوسُ ... مِنْ قِبَلِي صَدَرَ أَمْرٌ بِأَنَّهُ فِي كُلِّ سُلْطَانِ مَمْلَكَتِي يَرْتَعِدُونَ وَيَخَافُونَ قُدَّامَ إِلَهِ دَانِيآلَ لأَنَّهُ هُوَ الإِلَهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ إِلَى الأَبَدِ وَمَلَكُوتُهُ لَنْ يَزُولَ وَسُلْطَانُهُ إِلَى الْمُنْتَهَى» (دانيآل6: 23-26) ولولا دخول "بولس" و"سيلا" سجن فيلبي ما خلص حافظ السجن (أعمال16: 25-39) ولولا سجن "رومية" ما كتب الرسول "بولس" رسائل السجن الخمسة.
صديقي القاريء العزيز، صديقتي القارئة العزيزة: بل ولولا الصليب الذي كان رمزا للعنة والعار، ما تحصلنا على كل البركات، لهذا نفتخر بالصليب كما يفتخر أهل "ألابامبا" بالسوسة, «وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ الْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ (غلا6: 14)
هل تمر بظرف صعب كسوسة "ألاباما"؟ تشجع وافتخر في ضيقاتك كما فعل الرسول "بولس" قائلا: «أُعْطِيتُ شَوْكَةً فِي الْجَسَدِ، مَلاَكَ الشَّيْطَانِ، لِيَلْطِمَنِي ... فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، لِكَيْ تَحِلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ الْمَسِيحِ. لِذَلِكَ أُسَرُّ بِالضَّعَفَاتِ وَالشَّتَائِمِ وَالضَّرُورَاتِ وَالاِضْطِهَادَاتِ والضِّيقَاتِ لأَجْلِ الْمَسِيحِ. لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ» (2كورنثوس12: 7-10) هل تصلي معي؟
صلاة:
يا من لأجلي أحتملت صليب اللعنة والعار
وعليه لأجلي أصبحت مشويا بالنار
أفتخر بصليبك فهو لي رمز الفخار والانتصار
أمين
زكريا استاورو