من سجن الخطايا إلى حمل الصليب
كان الشاب "هنري فرانسيس لايت", البالغ من العمر 25 عامًا, يخدم ويعظ في كنيسة صغيرة باسكتلندا عام 1818, عندما سمع أن الراعي المجاورة يحتضر, فقرر زيارته. ودار بينهما حديث عميق صادق عن الأبدية والسلام مع الله.
واكتشف الخادمان في إخلاص وصدق أنهما يعظان عن هذا السلام الذي يفتقدانه، فركعا معًا وقضيا الليلة مع الله عند صليب المسيح, يطلبان عمل الله الحقيقي في قلبيهما.
في الصباح شعر الراعي الذي يحتضر بسلام الله يغمر قلبه, أما الخادم الآخر, "هنري لايت", فكتب عن هذه الليلة يقول:
منذ تلك الليلة بدأتُ أرى الحياة من جديد؛ أقرأ وأدرس الكتاب المقدس وكأني لأول مرة أراه. بل وأعظ وأرعى الكنيسة بشكل يختلف تمامًا عن الطريقة النظرية الفلسفية العقلانية التي كنت أتبعها قبل أن أتقابل مع الرب مقابلة شخصية في هذه الليلة.
وبعدما رقد الخادم بسلام وهو يرنم ترانيم السماء بابتسامة عريضة وعميقة, وجد "هنري لايت" نفسه يكتب عن اختبار مقابلتهما مع الرب في هذه الليلة التاريخية, ولم يكن وقتها يعلم أنه يكتب واحدة من أشهر الترانيم التي تغنى بها الملايين عبر الـ185 سنة الماضية, ومازالت حتى اليوم هي الترنيمة المحببة لقلبي ولقلوب كثيرين, لقد كتب:
كنت في سجن الخطايا غير مأمول خلاصي
واشتراني واشتراني عبد إبليس الأثيم
ثم نجاني الرحيم ذاك بالدم الكريم
ورغم أن "هنري لايت" كان يعاني من مرض السل واعتلال الصحة، بالإضافة للضائقة المادية, إلا أنه قطع البلاد والشوارع والبيوت في ساعات طويلة كل يوم يجول يكرز بهذا المحرر العظيم, الرب يسوع المسيح الذي حرره من أقسى وأمر سجن؛ سجن الخطايا الكئيب الرهيب.
وبعد هذا بـ6 سنوات, وفي عام 1824, كان هذا الخادم المتفاني يخدم في مدينة "لوار بركسهام" حيث تأثر أشد التأثير لما حدث هناك وقتها ..
كانت فتاة عصرها, أميرة، فهي بنت أحد أثرياء الإنجليز في ذلك الوقت, تعيش هذا المجتمع الأرستقراطي الملوكي, بكل معانيه, تنتقل من حفلة إلى حفلة ومن رقصة إلى رقصة ومن لهو إلي لهو.
لقد كان أباها الأمير يقول لها دائما: إن الله أعطانا كل ما في العالم لنتلذذ ونتمتع به, نأكل ونشرب نرقص ونسكر, نعيش قصص الغرام والمغامرة بل حتى المقامرة والشهوة، فلقد خلقنا الله المحب في مجتمع حر طليق وعلينا أن نعمل ونعيش كل ما نرغب ونريد. وحذارى يا ابنتي من القلق وما يسببه رجال الدين المتطرفون من عذاب للضمير, في عظاتهم عن التوبة والدينونة فهي تخلف وضيق أفق. كلا! فحاشا أن يكون الله محبة وفي ذات الوقت يلقي بالبشر في الجحيم لأجل أخطائهم أو عدم إيمانهم كما يقول رجال الدين. فمن المستحيل أن يكون الله محبة وديان في ذات الوقت! إن جهنم بنارها وكبريتها هي من محض خيالهم, ومع ذلك يا ابنتي فلا مانع من الذهاب إلي الكنيسة يوم الأحد صباحا, وأن نقدم عشورنا حتى يجد الفقراء القوت ليأكلوه!
و في إحدى الليالي كانت هذه الفتاة راجعة من حفلة رقص, ولكنها كانت وبإخلاص شديد تعرف أنها حتى الآن لم تختبر معنى السعادة الحقيقية، فالأموال والشهرة والشهوة والغناء والرقص والخمور وإشباع كل الغرائز .. كل هذه لم ولن تكفيني .. أحتاج إلي سعادة داخلية .. أشعر بعطش عميق لسلام صادق!
لم تكن تلك الأميرة تدري وهي بهذه الأفكار وفي عطشها الروحي المخلص, أن قدميها قد قادتاها لتتوقف أمام باب الكنيسة .. ماذا؟ هل تدخل بهذه الملابس ورائحة الخمور والشرور والفجور؟ ماذا سيقول أبوها والعائلة؟
بعد صراع عنيف أخذت الفتاة قرارها: لن يهمني الناس .. ولن أبيع حياتي لرأي البشر ولا للشيطان. دخلت وجلست وسمعت بشارة الإنجيل وما أحلى وأقوي الإنجيل, كما قال الرسول بولس: {لأَنِّي لَسْتُ أَسْتَحِي بِإِنْجِيلِ لْمَسِيحِ لأَنَّهُ قُوَّةُ للهِ لِلْخَلاَصِ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ} (رومية16:1) لقد سمعت هناك أيضا اختبارات كثيرين ممن تغيرت حياتهم وارتاحوا من أحمالهم .. فرحوا .. غُمروا بالسلام في المسيح عند صليب الفادي المحب البديل يسوع .. و هناك ركعت في بكاء ودموع .. فجبال الثلج قد ذابت من قلبها, وخرجت أنهارًا من مقلتيها، فاغتسل بدم الحمل المذبوح كل الماضي المجروح، وفي أحضان الآب المحب تمتعت بالدفء الإلهي المفقود، الذي بحثت عنه في كل مكان، وبكل طريقة .. وفي الصباح بعد تلك الليلة المجيدة استيقظت وقد هدأت كل أعاصير الخطايا والجوع والشهوات في داخلها واستبدلت بالشبع والسلام.
وكما توقعت الأميرة؛ فما أن توقفت أعاصير الخطايا والماضي المرير هاجت عواصف العائلة والأب الذي أعتبرها إهانة شخصية له وللعائلة .. كيف أن ابنته تتوب وتعترف بخطاياها؟ ولم يطل الحديث معها, فوضع أمامها اختياران لا ثالث لهما إما الطرد من البيت والحرمان من الثروة والميراث وإما أن ترجع عن هذا الطريق, وتلك الكنيسة، وأن لا تسمع أبدًا عظات هذا الواعظ الذي هو عميل للشيطان حسب رأي الأمير لأنه ملأ البيت بالانقسام وتعهد الأب أن يستخدم كل نفوذه ليهاجم الخادم ويوقفه عن الخدمة!
وبكل خضوع قالت الفتاة لأبيها وعائلتها:
- «أحبكم .. أخضع لكم .. و لكن ولائي الأكثر للرب يسوع دون تردد»
فطُردت من القصر حتى دون حقيبة ملابسها ليتم فيها قول الرب يسوع: {«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا. فَإِنِّي جِئْتُ لأُفَرِّقَ الإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ وَلاِبْنَةَ ضِدَّ أُمِّهَا وَلْكَنَّةَ ضِدَّ حَمَاتِهَا. وَأَعْدَاءُ لإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ. مَنْ أَحَبَّ أَبًا أَوْ أُمًّا أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي وَمَنْ أَحَبَّ بْنًا أَوِ ابْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي وَمَنْ لاَ يَأْخُذُ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعُنِي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي. مَنْ وَجَدَ حَيَاتَهُ يُضِيعُهَا وَمَنْ أَضَاعَ حَيَاتَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا} (متى34:10-39) ولكم تأثر خادم الرب الأمين "هنري فرانسيس لايت" بما حدث وتحرك قلبه وكل مشاعره وإذ به يكتب ترنيمته الشهيرة الثانية بلسان حال هذه الفتاة التي صارت قديسة في المسيح:
قابلا حمل صليبي وكذا إنكار نفسي
فهو لي أسنى نصيب إن جفاني الناس طرًا
ليس ضيق واضطهاد ليس عن حبه أسلو
أتبع الفادي الأمين وارتدا العار المهين
وهو سيدي الحبيب فهو لي أسنى نصيب
يبعداني عن رضاه بأباطيل الحياة
صديقي .. صديقتي، وإن كان "هنري فرانسيس لايت" قد انتقل بسلام ليكون مع المسيح في مساء 20 نوفمبر سنة 1847 في "نيس" بفرنسا, إلا أن ترانيمه ما زالت تعيش معنا وفينا. ويمكنك أنت أيضا أن تختبرها في حياتك إن أتيت إلى المسيح ليحررك من سجن خطاياك, وتتمتع بامتياز اتباع الفادي وحمل الصليب كتلميذ حقيقي له. فهل تصلي معي من قلبك الآن وأنت تقرأ هذه القصة الواقعية الرائعة؟
صلاة:
أيها الرب يسوع .. أنا في الخطايا سجين .. وتحت أحمالها دفين .. وبي لحبك وسلامك عمق حنين .. فطهرني بدمك الثمين .. لأحمل صليبي وراءك وأظل أمين في كل حين, آمين
زكريا استاورو |