أكيد أنك سمعت عن مدينة "ديسيلدورف" بالمانيا,كان في هذه المدينة الرائعه رسام موهوب، وكان يحب أن يرسم لوحاته من الحياة سواء للبشر أو الطبيعه الخلابه في هذه الأماكن الخضراء, وما أن وقعت عينيه على "بابيتا" الطفلة البسيطة الفقيرة حتى تأكد من أنها مثال رائع لجمال الحياة في تلقائيتها, وبعدما أخبرها برغبته في رسم صورة لها، وأخبرها بأنه سيعطيها مكافأه مادية سخية في مقابل أن تجلس أمامه بضع ساعات لعدة أيام في المرسم الخاص به، اقتنعت "بابيتا" ورحبت بالفكرة.
رأت "بابيتا" صورًا ولوحات كثيرة في زيارتها لغرفة الرسم والتصوير، ولكن ما شد انتباهها جدًا صورة كاملة للصلب كان الفنان قد انتهى من رسمها للتو لتوضع في كنيسة القديس جيروم.
سألت "بابيتا" الفنان وهي تشير بإصبعها للمسيح المتألم في الصورة:
- «من هذا؟»
- فأجابها باقتضاب: «هذا هو المسيح»,
- فسألت: «ومَن هؤلاء؟»
- فأجابها الفنان: «هؤلاء هم اليهود والرومان»،
- فسألته مرة ثالثة: «وماذا يعملون به؟»
- فأجابها بشدة وحدة: «هم يصلبونه، ولكن ليس لديَّ وقت لأن أتحدث معك عن الصور, لدينا عمل كثير فلا بد أن تصمتي لأتمكن من الرسم كما اتفقنا».
صمتت "بابيتا" وفي اليوم التالي استغلت وقت الراحة وسألت الفنان:
- «لماذا صلبوه؟ هل كان شريرًا؟»
- فردَّ عليها الرسام: «كلا يا بنتي؛ لقد كان يسوع المسيح هو القدوس الوحيد الذي بلا خطية عاش في هذه الأرض!»
مرت الأيام وفي آخر مقابلة مع الفنان بعدما أتم رسم صورة لها، قالت "بابيتا" للفنان:
- «هل تحكي لي القصة الكاملة للصلب؟»
فلما حكاها لها ذاب قلبُها حبًا للرب يسوع. فقالت للفنان:
- «إني أحبه جدًا. لقد فعل كل هذا لأجلي. هل تحبه أنت؟»
صمت الفنان خجلاً، وقدم "لبابيتا" أجرة الرسم ومضت. ولكن كلام "بابيتا" ظل يرن في أذن الفنان: «هل تحبه؟ فعل كل هذا لأجلك!»
مرت عدة أيام، بعدها وجد الفنان رجليه تقودانه إلى إحدى الكنائس حيث كانت نهضة كرازية في الكنيسة، وهناك تعامل الروح القدس معه وأعطى الرجل قلبه للمسيح الذي مات لأجله واغتسل بدماء المسيح وصار إنسانًا جديدًا بعدما تمتع بغفران خطاياه.
أراد الفنان أن يخدم المسيح ويخبر عنه فلم يجد نفسه قادرًا على أن يعظ، وحاول أن يرنم في فريق الترنيم بالكنيسة وفشل، وأخيرا اقتنع أن يخدم الرب بالوزنة التي أعطاها له الرب، فكرس وقتًا طويلاً وصلي كثيرًا بدموع، وصام أيامًا طويلة ليساعده الله على أن يرسم أروع صورة تعبر عن الصلب لتكون سبب بركة وخلاص لكل من يراها. وأخيرا انتهى من رسم صورة للصلب تختلف عن كل ما رسم من قبل اختلافًا كاملاً، وكتب تحتها بخط كبير وواضح ... كل هذا فعلته من أجلك، فماذا فعلت أنت من أجلي؟
لم يبع الرسام الصورة ولكنه أهداها للمتحف العام في مدينة "ديسيلدورف". وكان الفنان من بعيد يقف ليلاحظ تأثير الصورة والكتابة على كل من يراها.
وفي ذات يوم لاحظ الرسام فتاةً تبكي بجوار الصورة، وكم كانت دهشته كبيرة عندما اقترب ورآها؛ لقد كانت "بابيتا"! وبعدما رحب بها سألها عن سبب بكائها فقالت:
- «إنني فقيرة، لكنني أحب الرب يسوع، فهل يقبلني برغم فقري؟»
وعندها تحدث الرسام مع "بابيتا" وأخبرها بحب المسيح الذي لا يُفَرِّق بين غنيٍ وفقير، وكيف أن المسيح وُلد وأضجعته أمه في مذود بقرٍ، وعاش بلا بيتٍ. وعندها صلَّت "بابيتا" معه وتمتعت بسلام الله الكامل وصارت خادمة للمسيح في الريف المجاور لمدينة "ديسيلدورف".
بعد سنين كثيرة كان الفنان قد فارق الأرض وذهب للسماء مع المسيح، ولكن لوحته الفريدة وكلماته المكتوبة ظلت تشهد, حيث جاء الكونت الشاب "زنزندورف" يزور متحف "ديسيلدورف" أثناء رحلة للنزهة واللهو كان سيتجه بعدها لباريس طلبًا في المسرات والمقامرات والخمور والعربدة. ولكن كلمات اللوحة استوقفته .. كل هذا فعلته من أجلك، فماذا فعلت أنت من أجلي؟ .. وسلم قلبه للمسيح في المتحف، وقدم أمواله الطائلة لخدمة المصلوب.
وفي عام 1727م تأسس مركز إرساليات للصلاة في ألمانيا بواسطة الكونت "زنزندورف". لقد بدأوا اجتماعات للصلاة استمرت 24 ساعة في اليوم لأكثر من 100 سنة نتج عنها أول حركة إرساليات مسيحية إنجيلية في التاريخ والمعروفة باسم "موريفيانز". لقد اكتشفوا أن الصلاة ليلاً ونهارًا تطلق الكرازة والإرساليات. ومركز الكونت زنزندورف للصلاة والإرسالية موجود ليومنا هذا.
صديقي القاريء .. صديقتي القارئة، لقد كتب الفنان بلسان الرب يسوع هذه العبارة: «كل هذا فعلته من أجلك، فماذا فعلت أنت من أجلي؟». فهل أجبت على هذا السؤال؟ هل تُقدم حياتك وكل ما تملك الآن للمسيح كرد فعل تلقائي واقعي لما قدمه وفعله لأجلك؟ اسمعه يقول لك: {«هَئَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ؛ إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي»} (رؤيا3: 20). وإن كنت لا تعرف أن تعظ أو ترنم للآخرين فأنت بالتأكيد تمتلك وزنات ومواهبَ لتخدُم بها المسيح. اسمع ما قاله الرب: {«فَجَاءَ الَّذِي أَخَذَ الْخَمْسَ وَزَنَاتٍ وَقَدَّمَ خَمْسَ وَزَنَاتٍ أُخَرَ قَائِلاً: يَا سَيِّدُ خَمْسَ وَزَنَاتٍ سَلَّمْتَنِي، هُوَذَا خَمْسُ وَزَنَاتٍ أُخَرُ رَبِحْتُهَا فَوْقَهَا». فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: «نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ. كُنْتَ أَمِيناً فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ»} (متى25: 20)
صلاة:
لقد قدمت الكل لأجلي يا ربي يسوع حتى آخر نقطة من دماك سفكتها لأجلي أقدم لك بكل إخلاص كل الحياة فامتلكني وأستخدمني لمجدك آمين
زكريا استاورو
|