وُلد "جورج هويتفيلد" في عام1714م في "جلوسيستر" بإنجلترا، والتحق بجامعة "أكسفورد" عام 1732م. ولقد شعر بالعطش الديني لعبادة الله منذ شبابه فكوَّن مع "تشارلس" و"جون وسلي" ما سُمي "بالنادي المقدس" وكانت أفكارهم تتلخص في عمل الأعمال الصالحة لإرضاء الله، وتبارَوا في مدى القدرة على الصيام وحرمان أنفسهم من كل ما يحبونه لكي يخلص كل منهم من خطاياه. ولكن للأسف الشديد فشل "جورج هويتفيلد" في الحصول على السلام الإلهي، ورغم أنهم كانوا أذكياء جدًا، إلا أنهم لم يفهموا بالعقل الطبيعي معنى النعمة كما هومكتوب: {لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوعَطِيَّةُ اَللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ. لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا} (أفسس2: 8-10). ولم يفهموا أن الأعمال الصالحة تأتي كنتيجة وثمر حتمي للإيمان الحقيقي بالمسيح وعمله الكفاري، وليس العكس.
أنار الرب فكر "جورج هويتفيلد" بالإنجيل، وكان أول من تغيرت حياته في مجموعة "النادي المقدس" في عام 1734م, واختبر خلاص الرب يسوع والمكتوب: {إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوخَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا} (2كورنثوس5: 17)، وأصبح شماسًا في الكنيسة الإنجليزية، وبدأ يكرز بالمسيح في السجون هناك.
ذهب "هوايتفيلد" و"وسلي" لجورجيا بالولايات المتحدة، وللأسف كانت - كما ذكروا جميعًا - رحلة كرازية فاشلة, رجع بعدها "هويتفيلد" فوجد نفسه مفصولاً من الكنيسة الإنجليزية بسبب مشاركته "لوسلي" في الرحلة. وعندها بدأ "هويتفيلد" و"وسلي" خدمات الهواء الطلق في "بريستول" ثم في كل إنجلترا. وكان موهوبًا جدًا، وكان الآلاف يتقاطرون ليستمعوا لكلمة الرب على فمه, وفي نهضة "كامبيوسلانج" وعظ في أحد الأيام في الساعة 12 ظهرًا ثم 6 مساءً ثم 9 مساءً، وبدأ عظته الرابعة في الساعة 11 مساءً.
وكان صوته يمكن أن يصل لمسافة ميل دون جهاز مكبر الصوت (الميكرفون)، لكن كثيرا ما كان بكاء الآلاف على خطاياهم يغطي تمامًا على صوته القوي, ووصل عدد الحاضرين في الهواء الطلق في بعض المرات لحوالي 100 ألف مستمع، وهذا كان أكبر عدد مجتمع معًا سجله التاريخ المعاصر يسمع الكرازة معًا، وكان ذلك بالطبع قبل اختراع الميكروفون والدوائر التليفزيونية!
قال "ديفيد هيوم" (وهوعالم وفليسوف كبير في ذلك الوقت وكان معروفًا بكراهيته للمبشرين):
- «أني اجد نفسي مدفوعا أن أسير كل يوم أكثر من 20 ميلاً لأسمع "جورج هويتفيلد"»!
ولقد ذهب "هويتفيلد" أكثر من 13 رحلة عَبَر خلالها المحيط الأطلنطي حين كان السفر بالسفن خطيرًا وطويلاً، وهذا يعني أن جملة ما قضاه من عمره في السفر البحري أكثر من سنتين (حوالي 782 يومًا) وكان الرب يستخدم هناك بقوة "جوناثان أدوارد"
وكانت خدمة "هويتفيلد" كالبنزين فوق النار الروحية التي كانت مشتعلة فعليًا في الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت, ولقد أسس "جورج هويتفيلد" أول ملجإ للأيتام في ولاية "جورجيا" وكان اسمه ملجأ بيت حِسدا.
لقد ظل صوت "هويتفيلد" صوتًا كرازيًا قويًا يدوي ويبشر بالرب يسوع المسيح وبعمله على الصليب وبقيامته وبخلاصه العجيب المجاني, ظل الصوت يدوي لمدة 43 سنة. ويقال أن متوسط عظاته كل أسبوع كان 10 خدمات. هذه الأعوام الطوال خدم منها 24 عامًا في إنجلترا وجزرها، وحوالي 9 أعوام في أمريكا. تقول بعض الإحصائيات المعتمدة في إنجلترا والولايات المتحدة أن "هويتفيلد" تكلم في حياته إلى ما مجموعه حوالي 9 مليون مستمع، حيث لم تكن وسائل الإعلام موجودة كالراديووالتلفزيون والإنترنت!
في عام 1770م عندما بلغ السادسة والخمسين في "نيوبري بورت" في ولاية "ماساتتشوستس" بأمريكا، وقد أرهقته هذه الأعمال الجبارة، وقبل موته بساعات قليلة وعظ لمدة ساعتين لجمع غفير من الناس في الهواء الطلق، وبينما هو يتناول العشاء في تلك الليلة جاءت الجموع .. أكثر من ألفي مستمع، واقتحموا المنزل طالبين أن يسمعوا صوت "هويتفيلد"، فقال لهم:
- «أنا متعب، ويجب أن أذهب للفراش, أعطوني شمعة»!
وأخذ شمعدانًا ووضع به الشمعة المشتعلة، وصعد درج السلم إلي حجرة نومه، ولكن منظر الجموع التي ملأت الصالة والشارع وهي تنتظر صابرة كان أعظم من أن يحتمله "هويتفيلد", ولم يستطع إلا أن يلبي احتياج النفوس للارتواء من الماء الحي وسماع بشارة الإنجيل المفرحة، فوقف علي السلم وابتدأ يخاطبهم، وبدون تفكير في تعبه أخذ يعظهم ويحذرهم من العيش في خطاياهم، وصار يتضرع إليهم ويدعوهم لقبول المسيح مخلصًا وفاديًا، ويحثهم في حماسة منقطعة النظير, مرة بعد الأخرى، إلي أن احترقت الشمعة التي في يده، وذابت بتمامها. وكان في هذا رمز لأنه في تلك الليلة تركت روحه الملتهبة جسده المتعب ورجعت إلي الله مع المسيح في الفردوس.
صديقي القاريء العزيز .. صديقتي القارئة العزيزة، لقد كان "جورج هويتفيلد" بحق كما قال الرب يسوع: {السِّرَاجَ الْمُوقَدَ الْمُنِيرَ. وَأَنْتُمْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَبْتَهِجُوا بِنُورِهِ سَاعَةً} (يوحنا5: 35) فهل حياتك تنير للآخرين أم تعثرهم في ظلام الخطية والشهوات؟
أدعوك أن تأتيَ للرب يسوع لتتمتع بالنور الحقيقي هنا، وعندما ينير قلبك عندها ستكون شمعه في هذا العالم المظلم وتتمتع معه في السماء هناك. فهل تلبي صوت الرب وتصلي معي؟
صلاة:
أيها المسيح القدير يا من سُمرت لأجلي بالمسامير .. أعترف لك أني شرير فغّير قلبي الضرير ليتحول إلى قلب منير يهتدي بنورك في المسير. آمين.
زكريا استاورو |