قص الدكتور "ر. ل. موير" تلك القصة الحقيقية، إذ قال:
في الأيام الأولى لاستيطان ولاية "أهايو"، كانت عبارة عن غابات برية واسعة الأطراف, ذهب شاب في مقتبل العمر هو وزوجته، وبنيا بيتًا صغيرًا داخل الغابة، حيث عاشا هناك ليس معهما أحد إلا الله وابنتهما الصغيرة.
وكان ذلك الشاب يجاهد مكافحًا وسط الغابة ليُحَوِّل البقعة التي يقطنها إلي بستان مزهر. وذات يوم وقد كانت ابنته قد بلغت الثانية والنصف من عمرها، سمعت والدها يضرب بالفأس في شجرة ليقطعها، فأخذت البنت تمشي، ولكنها كانت تمشي على صدى الصوت أي في الاتجاه المعاكس، وأخذت تسير علها تصل إلى والدها، ولكنها للأسف كانت تبتعد عنه، فضلَّت في الغابة الواسعة.
وإذ كان بعض الهنود الحمر يجولون في ذلك المكان، وجدوا البنت الضالة، فأخذوها ومضوا إلى الشمال الغربي. ظل الوالد والوالدة يبحثان عن البنت عدة أيام عبثًا. وحاولا أن يستقرا في ذلك المنزل الصغير الذي بنياه وسط الغابة. لكن القلق استبد بهم، فهناك المهد الصغير حيث كانت تجلس البنت، وهناك اللعب البدائية التي كانت تلعب بها، لذلك تركا المكان بكل ما فيه، واتجها حيث وصلا إلى ولاية "وسكونسن" حيث حطا رحالهما هناك.
قضيا أربعة عشرة سنة بقلبين مثقلين حزنًا على ضياع البنت. وذات يوم سمعا أن بعض الهنود الحمر في السوق المجاور كانت معهم بنتًا غاية في الجمال وصورتها ليست مثل صورة الهنود الحمر. فما أن سمع الوالد هذا النبأ حتى هرول مسرعًا ليرى تلك الفتاة.
وكانت توجد علامة (ندبة) في جلد الفتاة على كتفها الأيمن يعرفانها بها. وقد وجدها الأب، فعرفها أنها ابنته، لكن البنت ضحكت من كلام الوالد مستغربة، فأسرع وأحضر أمها التي لما رأتها وتحققت من العلامة التي في كتفها الأيمن، أيقنت أنها هى بعينها ابنتها. فارتمت الأم عند قدمي البنت لتوقظ الحنان في قلبها، فما كان من البنت إلا أن بصقت في وجه أمها. فسقطت الأم على الأرض، والحزن يكاد يقطع نياط قلبها.
وأخيرا وبإحساس لا إرادي وجدت الأم نفسها منساقة تغني أغنيات المهد التي تعودت أن تغنيها للبنت في طفولتها. فرفعت البنت عينيها وكأنها في حلم جميل ونظرت إلى أعلى حيث كانت أمها تغني، وتفرست فيها، ثم اقتربت منها وكأنها في غيبوبه، وارتمت بين أحضان الأم. لأنها سمعت ذلك النداء الذي تعودته في طفولتها، وتلك النبرات الحلوة التي كانت تنام على أنغامها الجميلة، وكانت هذه الأغاني لها الصدى في قلب البنت. ذلك الصدى الذي يربطها بقلب الأم الحنون!
صديقي القاريء العزيز .. أختي القارئة الفاضلة، إن صدى الصوت الذي سارت على أثرة الطفلة الصغيرة وضلت، لم يقودها للطريق الصحيح، بل قادها للضياع لأكثر من أربعة عشرة عامًا من عمرها. أما صدي صوت المحبة الذي دوي في قلبها بسبب أغاني الحب والمهد التي غنتها لها أمها، هو الذي رد نفسها .. ردها إلى عقلها، إلي أبويها، إلي حياتها!
صديقي .. صديقتي، في قلبي وقلبك مكان خلقة الله يستقبل صدى الصوت الإلهي، إن أردت. وإن الذبذبات التي تتكيف معها أذناك هي محبة الله. لقد قال الجامعة: {وأيضا جعل الأبدية في قلبهم التي بلاها لا يدرك الإنسان العمل الذي يعمله الله من البداية إلي النهاية} (جامعة3: 11) وقال القديس أوغسطينوس: {يا الله لقد خلقتنا لذاتك، لذلك نفوسنا لن تجد راحتها إلا فيك}.
فهل تتبع صوت العالم والشيطان، الذي لن يقودك إلا للضياع؟ أم بحب وتواضع تصغي لصوت الحب وترجع إلى الله؟
إن أشهر آيه عن محبة الله للبشر هي: {لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية} (يو16:3)
وفي هذه الآية يمكنك أن ترىمعي:
أولاً: بحر المحبة: {لأنه هكذا أحب الله العالم}
رمزها: {كما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يُرفع ابن الإنسان}
مداها: {لأنه هكذا ( أي بلا حدود ) أحب ...}
1. تفوق التشبيه: فهي أعظم من حب الأم التي قد تنسي ابنها (إش15:49) ويوما سلقته وأكلته (2مل29:6) ومن حب الأب كما قال داود {إن أبى وأمي قد تركاني} (مز10:27) ومن حب الصديق (أم24:18) وحب النساء (قض15:16)
2. تفوق المقاييس: فعرضها أكبر من كل الأكوان، وطولها أطول من أبد الآبدين، وعمقها أعمق من كل خطايانا ونتائجها وعمق الجحيم، وعلوها أعلي من السماوات. {وأنتم متأصلون ومتأسسون في المحبة حتى تستطيعوا أن تدركوا مع جميع القديسين ما هو العرض والطول والعمق والعلو وتعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة} (أف18:3و19)
3. تفوق العاطفة: تفوق المودة والصداقة أو الإعجاب {الله بين محبته لنا لأنه ونحن بعد ...} ضعفاء، فجار، خطاة، أعداء {مات المسيح لأجلنا} (رو8:5)
4. تفوق الحدود: {أحبهم إلي المنتهى} (يو1:13)
5. تفوق الزمن: فطبيعة الله محبة (1يو8:4و16) وهي أزلية. والله بيَّنَها في الصليب (رو8:5) وأبدية (إر3:31) أما حب الإنسان فمتغير, {للمحبة وقت وللبغضة وقت} (جا8:3) أما الله فلم يكن، ولن يكون لديه وقت ليس فيه محبة!
6. تفوق الاستحسان: {ليس من كونكم أكثر من سائر الشعوب التصق الرب بكم واختاركم، لأنكم أقل من سائر الشعوب، بل من محبة الرب إياكم} (تث7:7و8)
7. تفوق المقابل: {أحبهم فضلاً} (هو4:14)
منبعها: الله, الواحد المثلث الأقانيم
1. الله الآب: {الآب نفسه يحبكم} (يو27:16) {انظروا أية محبة أعطانا الآب} (1يو1:3) {نقلنا إلي ملكوت ابن محبته} (كو13:1) {في هذا هي المحبة ليس أننا أحببنا الله بل هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا} (1يو10:4) {وأحببتهم كما أحببتني} (يو23:17)(رو32:8)
2. الله الابن: {جرحت بها في بيت أحبائي} (زك6:13) {محب للعشارين} (مت19:11ولو34:7) {محب الزق من الأخ} (أم24:18) {نظر إليه يسوع وأحبه} (مر21:10) {يعظم انتصارنا بالذي أحبنا} (رو37:8) {أحب المسيح الكنيسة} (أف25:5) {هو أحبنا أولاً} (1يو19:4) {أحبنا وقد غسلنا من خطايانا} (رؤ5:1) {الذي تحبه مريض} (يو3:11)
3. الله الروح القدس: {محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس} (رو5:5) {ثمر الروح فهو محبة} (غلا22:5)(عب14:9)
شاطئها: العالم, كل العالم، كل البشر. يوجد العالم المادي (يو10:1ورو20:1) والعالم كنظام (اف2:2و1يو15:2) والعالم كالبشرية والله يحب كل العالم, {يريد أن جميع الناس يخلصون} (1تي4:2) {وهولا يشاء أن يهلك أناس} (2بط9:3)
ثانيًا: نهر المحبة: {حتى بذل ابنه الوحيد}
تضحيتها: {حتى بذل}
1. بذله فتجسد: {الله ظهر في الجسد} (1تي16:3) {الكلمة صار جسدا} (يو14:1) {أخلي نفسه آخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس} (في7:2) {فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضا كذلك فيهما} (عب14:2) {هيأت لي جسدا} (عب5:10)
2. بذله فخدمنا: {ابن الإنسان لم يأت ليخدم بل ليخدم وليبذل نفسه عن كثيرين} (مت28:20)
3. بذله ليموت لأجلنا: {ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه} (يو13:15) {أحبنا المسيح وأسلم نفسه لأجلنا} (اف2:5) {ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي} (غلا20:2)
عطيتها: {ابنه الوحيد}, فإن كان أدم ابن لله بالخليقة (لو38:3) والملائكة هم بنو الله بالخلق أيضا (أي7:38) لكن الرب يسوع هو الابن الوحيد {الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر} (يو18:1)(1يو9:4و1تي15:6)
ثالثًا: كأس المحبة: {لكي لا يهلك كل من يؤمن به}
إنقاذها: {لكي لا يهلك}, فالإنسان قد هلك فهو مولود بالخطية ( مز 51: 5 ، 3:58 & أش 8:48 ) {هلكت لأني إنسان نجس} (اش5:6) والإنسان عبد للشيطان الذي يهلك (يو10:10) ولقد جاء المسيح ليخلص ما قد هلك (لو10:19) فالمؤمن لن يهلك إلي الأبد (يو28:10) حتى راحاب الزانية بالإيمان لم تهلك (عب31:11)
خصوصيتها: {كل من}, فالله قد أحب العالم، وهذا بحر المحبة، وظهرت عندما بذل ابنه، وهذا نهر المحبة. ولكن الذي لا يهلك هو كل من يؤمن به وهذا كأس المحبة {له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا} (اع43:10) {كل من} تخصني بالذات ويمكنني أن أضع اسمي فيها
وسيلتها: {يؤمن}, {بالنعمة ... مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم هو عطية الله ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها} (اف8:2-10)
غرضها: {به}, بالمسيح ليس أي إيمان ولكن الإيمان بالمسيح بلاهوته وتجسده وعمله على الصليب وقيامته أي {الإيمان المسلم مرة للقديسين} (يه3)
رابعًا: قطرة المحبة: {بل تكون له الحياة الأبدية}
نتيجتها: {الحياة الأبدية}, هي ذات حياة المسيح، {الحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا} (1يو3:1) {وهذه هي الشهادة أن الله أعطانا حياة أبدية وهذه الحياة هي في ابنه} (1يو11:5)
فهل تسمع صدى المحبة الآن من قلب الرب
وترجع إليه على أساس عمله وصليبه
لتتمتع بالحياة الأبدية؟
زكريا استاورو |