عادت الباخرة بعد انتهاء الحرب في أحد أيام عام 1863م إلى ميناء نورفولك في فرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية تحمل عدداً من الأسرى والجرحى ممن ساءت حالتهم جدا حتى اليأس وكان من بين الجرحى جندي جريح في الثانية والعشرين من عمره اسمه جيمس وكان جيمس قد نشأ في أسرة غنية وتعود حياة الرفاهية ولبس الثياب الناعمة لكن الحياة العسكرية لم تغير ملبسه فقط بل أيضا غيرت هيئته وشكله بالأضافة إلى منظر الجروح والقروح الغائرة في جسمه بسبب القتال وطلقات الرصاص والألغام وشظايا القنابل والدبابات ولقد علم جيمس أن أخاه الأكبر وليم سيكون على رصيف الميناء لأنتظاره. لكنه أخذ يفكر كيف يمكن لأخيه أن يعرفه وهو على هذه الحالة البائسة الرهيبة؟ وكان جيمس قد حكى لزملائه عن أخيه وليم وكيف يعيش حياة الرفاهية والتنعم ، ويمتك بيت كبيرتوفرت فيه كل وسائل العيش الرغيد . ثم أخذ يسأل نفسه ورفقائه : كيف يمكن أن يرحبوا بي في هذا الوضع؟ !! لقد تغيّرت حالتي كثيراً بحيث أن وليم لن يعرفني! وحتى لو عرفني فانه سوف لا يأخذني معه …أشعر أنه من الأفضل لي ولوليم أن يأويني في مستشفى مرة أخرى ليسلمني بعد ذلك الى القبر. وكان يبكي وهو يتفرس في الصورة المشوهة التي صار عليها.
ما أن لامست الباخرة رصيف الميناء حتى صعد اليها رجل قوي البنية جميل الصورة تبدو عليه علامات الثراء والقوة ،أنه وليم شقيق جيمس المجروح ، وقد كان وليم في انتظار الباخرة لمدة تذيد عن اربعة ساعات كاملة, وكانت معه عربة فخمة أعد فيها وسائد لينة وأغطية لتحمل أخاه الى القطار ثم الى المنزل . لقد مرَّ وليم بجانب جيمس لكنه لم يتعرف عليه . لقد تقززت نفسه وهو يتطلّع الى ذلك المُلقى البائس ، قروح ودماء في فمه وأنفه ، وجهه متنفخ ، وشعره غير مرتب ، وجبهته ملفوفة بالأربطة ، أقدام عارية كلها أورام ، مجموعة من الملابس القديمة الملوثة تكسو جسده … مما جعله يتحوّل مشمئزاً مكروباً .ذاب قلب جيمس ذلك الشاب التعيس وقال في نفسه:هذا هو ما كنت أتوقعه أن وليم لن يعرفني وسيشمئز من منظري، ولم يجد لديه الشجاعة الكافية أن يكلمه .للمرة الثانية والثالثة اجتاز وليم بين ركاب الباخرة ولم يهتدي الى اخيه ، وظن أنه قد مات أثناء الرحلة . وللمرة الأخير أخذ يتفحّص الجنود واحداً واحداً دون أن يتعرّف عليه . بينما كان مزمعا أن يتحوّل ويرحل سمع صيحة مرّة : ألا تعرفني يا وليم ! قالها جيمس الجريح بشفاه مرتعشة وهو يستجمع أنفاسه بكل قوة ,أخي الحبيب جيمس! لماذا لم تتكلم من قبل؟! هكذا كان جواب وليم لأخيه ثم حمله في الحال الى العربة ، بجراحه وأوجاعه وشناعة منظره . ووضع تحت تصرفه كل قوته وثروته وكل ما يملك فهو أخوه الذي يحبه بالرغم من كل شيء.
عزيزي القاريء عزيزتي القارئة كان جيمس يشك في قبول وليم له بل يشك في معرفته له وهو يتسائل هل سيعرفني أخي؟
لكني أخاف أن تكون انت أيضا كما كنت أنا قبلك أشك في قبول المسيح لي بسبب خطاياي وما سببته لي من جروح رهيبة إذ مكتوب:لأَنَّهَا طَرَحَتْ كَثِيرِينَ جَرْحَى وَكُلُّ قَتْلاَهَا أَقْوِيَاءُ.(أمثال7: 26) لكن دعني أقدم لك هذا الخبر السار أن محبة الرب يسوع لنا محبة بالرغم من كل ما نحن فيه.
أولا المحبة واتجاهها :
1-محبة فضلا:أَنَا أَشْفِي ارْتِدَادَهُمْ. أُحِبُّهُمْ فَضْلاً لأَنَّ غَضَبِي قَدِ ارْتَدَّ عَنْهُ(هوشع14: 4)
2-محبة بالرغم من:أَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا. لأَنَّ الْمَسِيحَ إِذْ كُنَّا بَعْدُ ضُعَفَاءَ مَاتَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لأَجْلِ الْفُجَّارِ..َلَكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا. ..لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ فَبِالأَوْلَى كَثِيراً وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ نَخْلُصُ بِحَيَاتِهِ...وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ وَهَكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ.(رومية5: 5-12)
3-محبة للخطاة:جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ .مُحِبٌّ لِلْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ. (متى11: 19)
4-محبة مبادرة :نَحْنُ نُحِبُّهُ لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلاً.(1يو19:4)
5-محبة للمنتهى: إِذْ كَانَ قَدْ أَحَبَّ خَاصَّتَهُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ أَحَبَّهُمْ إِلَى الْمُنْتَهَى(يو13: 1)
6-محبة تُقدَرنا :فَنَظَرَ إِلَيْهِ يَسُوعُ وَأَحَبَّهُ وَقَالَ لَهُ: «يُعْوِزُكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ. اِذْهَبْ بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ وَتَعَالَ اتْبَعْنِي حَامِلاً الصَّلِيبَ»(مر21:10)
7-محبة متبادلة:اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي وَأَنَا أُحِبُّهُ وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي» (يو14: 21)
ثانيا المحبة وعملها(تغير) :
1-محبة تغير:لأَنَّنَا إِنْ صِرْنَا مُخْتَلِّينَ فَلِلَّهِ،أَوْ كُنَّا عَاقِلِينَ فَلَكُمْ.لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ تَحْصُرُنَا.إِذْ نَحْنُ نَحْسِبُ هَذَا:أَنَّهُ إِنْ كَانَ وَاحِدٌ قَدْ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ.فَالْجَمِيعُ إِذاً مَاتُوا.وَهُوَ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ كَيْ يَعِيشَ الأَحْيَاءُ فِيمَا بَعْدُ لاَ لأَنْفُسِهِمْ،بَلْ لِلَّذِي مَاتَ لأَجْلِهِمْ وَقَامَ(2كو5: 13)
2-محبة تشفي:«يَا سَيِّدُ هُوَذَا الَّذِي تُحِبُّهُ مَرِيضٌ». (يو3:11)
3-محبة تقدس:أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضاً الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا،لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّراً إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ(اف25:5)
4-محبة تغسل:وَمِنْ يَسُوعَ الْمَسِيحِ الشَّاهِدِ الأَمِينِ، ..الَّذِي أَحَبَّنَا،وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ،(رؤ5:1)
5-محبة تفرح: اَدْخَلَنِي إِلَى بَيْتِ الْخَمْرِ وَعَلَمُهُ فَوْقِي مَحَبَّةٌ.(نش2: 4)
6-محبة تصادق :اَلْمُكْثِرُ الأَصْحَابِ يُخْرِبُ نَفْسَهُ وَلَكِنْ يُوجَدْ مُحِبٌّ أَلْزَقُ مِنَ الأَخِ.(ام24:18)
7-محبة تنصر :مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضَِيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ «إِنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهَارِ. قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ». وَلَكِنَّنَا فِي هَذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا. (رو37:8)
فهل تصلي معي؟
صلاة : يا من جرحت لتشفي قلبي الجريح أقبلك أيها الفادي المسيح فخلصني ففي حضنك استريح لأعيش كل أيامي لك في تهليل وتسبيح آمين
|