ولد خادم الرب الصيني الشهير واتشمان ني في عام 1903م وقبل المسيح كمخلص شخصي له وصار مسيحيا وهو في الصين عام 1920م وكان يبلغ السابعة عشرة من عمره وبدأ يكتب تأملاته من الكتاب المقدس في نفس العام. وظهر في كتاباته وتفسيرة للكتاب المقدس بعد ذلك بوضوح أن واتشمان ني هو عطية فريدة من الرب للكنيسة. وفي عام 1952م سجن لاجل ايمانه؛ وظل في السجن حتى وفاته عام 1982م.
ولقد حكى واتشمان ني في كتابه الشهير لا أنا بل المسيح قائلا": عدت في عام 1929 م من شنغهاي إلي فوتشاو مسقط رأسي ويوما" ما بينما كنت أسير في الشارع أتوكأ علي عصاي ينتابني ضعف شديد وصحتي هزيلة إذ بي التقي بأحد أساتذتي القدامى في الكلية فأخذني إلي محل شاي حيث جلسنا معا فأخذ ينظر إلى من رجلي إلي قدمي ثم من قدمي إلي رأسي و قال أنظر! أثناء دراستك الجامعية بالكلية كنا كأساتذة نعلق عليك أمالا كبيرة فهل هذا ما وصلت إليه؟ سألني هذا السؤال النافذ وهو ينظر إلي بعينين ثاقبتين ويجب أن اعترف أنه لما سألني هكذا أحسست برغبة أن أجهش بالبكاء فعملي وماضي وصحتي قد ذهبوا جميعا و ها هو أستاذي القديم الذي تعلمت القانون علي يديه يسألني هل ترضي بهذا الحال بلا نجاح بلا تقدم بلا شيء ؟ لكن لم تمض لحظات – واعترف إنها كانت المرة الأولي في حياتي – حتى اختبرت بالحق ماذا يعني أن يحل عليِ روح المجد و اختبرت المكتوب: إِنْ عُيِّرْتُمْ بِاسْمِ الْمَسِيحِ فَطُوبَى لَكُمْ، لأَنَّ رُوحَ الْمَجْدِ واللهِ يَحِلُّ عَلَيْكُمْ (1بطرس14:4) وفاض في إحساس عميق بأنني بنعمة الرب استطعت أن اسكب حياتي لأجل الرب وقد حل علي روح المجد بصورة لا مثيل لها فرفعت نظري و صرخت بلا تحفظ : يا رب أشكرك هذا أعظم شيء في الوجود وما سلكته كان الطريق الصحيح لقد كان بالنسبة لأستاذي إنه إتلاف أن اصرف حياتي في خدمة الرب و لكن هذه هي غاية الإنجيل وتذكرت المكتوب: فَلَمَّا رَأَى تَلاَمِيذُهُ ذَلِكَ اغْتَاظُوا قَائِلِينَ: «لِمَاذَا هَذَا الإِتْلاَفُ؟ لأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُبَاعَ هَذَا الطِّيبُ بِكَثِيرٍ وَيُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ» فَعَلِمَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تُزْعِجُونَ الْمَرْأَةَ؟ فَإِنَّهَا قَدْ عَمِلَتْ بِي عَمَلاً حَسَناً (متى8:26-10) عَمِلَتْ مَا عِنْدَهَا. قَدْ سَبَقَتْ وَدَهَنَتْ بِالطِّيبِ جَسَدِي لِلتَّكْفِينِ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهَذَا الإِنْجِيلِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ يُخْبَرْ أَيْضاً بِمَا فَعَلَتْهُ هَذِهِ تَذْكَاراً لَهَا (مرقس8:14و9)
صديقي القارئ العزيز صديقتي القارئة العزيزة : إن كانت مريم أخت مرثا و لعازر (متى 26: 6-14 & مر 14: 1-9 & لوقا38:10ويوحنا11و12: 1-4) مثال رائع للتكريس فهي أيضا مثال جلي لما هو قيمة التكريس في نظر العالم و للأسف حتى في عين المؤمنين الجسديين فالعالم لا يقدر التكريس ولا المكرس لأنه لا يقدر الشخص العظيم الذي نكرس له الحياة ولكن في ذات الوقت مريم أيضا مثال واضح لما هو تقدير التكريس في عيني الرب يسوع الذي صنعوا له عشاء بعدما أقام لعازر من بين الأموات, فتعالى معي لنرى كل هذه الأمور فما فعلته مريم :
أولا-جاءت بقارورة طيب محفوظ: ما أحلى أن نحفظ الأوقات والعواطف وكل غالى في الحياة له لتكون مغلفة كالعروس التي قال عنها العريس :أُخْتِي الْعَرُوسُ جَنَّةٌ مُغْلَقَةٌ عَيْنٌ مُقْفَلَةٌ يَنْبُوعٌ مَخْتُومٌ (نشيد12:4) ولنلاحظ أنه حتى عندما مات لعازر أخوها لم تستخدمها فالرب أغلي عندها من الكل كما قال الرب : مَنْ أَحَبَّ أَباً أَوْ أُمّاً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي وَمَنْ أَحَبَّ ابْناً أَوِ ابْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي (متي37:10) فهل لدينا مخزون من طيب التكريس نقدمه للرب وحده في حينه؟
ثانيا- كسرتها: كسرتها لكي لا تبقي منها شيء لغيرة و لكي لا تترد في تقدمتها كما هو مكتوب : أَوْثِقُوا الذَّبِيحَةَ بِرُبُطٍ إِلَى قُرُونِ لْمَذْبَحِ (مزمور118: 27) فكثيرا ما نقدم للرب و لكن و يا للعار نرجع فيما قدمناه , إِذَا نَذَرْتَ نَذْراً لِلَّهِ فَلاَ تَتَأَخَّرْ عَنِ الْوَفَاءِ بِهِ. لأَنَّهُ لاَ يُسَرُّ بِالْجُهَّالِ. فَأَوْفِ بِمَا نَذَرْتَهُ. أَنْ لاَ تَنْذُرُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَنْذُرَ وَلاَ تَفِيَ (جامعة 4:5و5) فليتنا مع مريم نكسر الكل لأجل ذاك الذي كسر قلبه لأجلنا علي الصليب إذ قال: العار قد كسر قلبي فمرضت (مزمور20:69) إن قطعة من الفولاذ لا تزيد عن 5 جنيهات ولكن متي صنعوا منها إبر للخياطة ارتفعت قيمتها إلي 50 جنيها وإذا استخدمت لصنع تروس للساعات ارتفع سعرها إلى 50 ألف جنية فالثمن يزداد مع الصقل والتكسير والبرادة فهل تسمح بيد الرب معك للتشكيل .وكثيرا ما نجد الربط في الكتاب بين الكسر والبركة مثلا عند نصرة جدعون مكتوب : فَضَرَبَتِ الْفِرَقُ الثَّلاَثُ بِالأَبْوَاقِ وَكَسَّرُوا الْجِرَارَ (قضاة 7: 20) وفي بركة يعقوب: فَبَقِيَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ. وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ. وَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِهِ فَانْخَلَعَ حُقُّ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ. وَقَالَ: «أَطْلِقْنِي لأَنَّهُ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ». فَقَالَ: «لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي». فَسَأَلَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَقَالَ: «يَعْقُوبُ». فَقَالَ: «لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إِسْرَائِيلَ لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ والنَّاسِ وَقَدِرْتَ».(تكوين24:32-28) و أيضا في إشباع الجموع: فَأَمَرَالْجُمُوعَ أَنْ يَتَّكِئُوا عَلَى الْعُشْبِ ثُمَّ أَخَذَ الأَرْغِفَةَ الْخَمْسَةَ والسَّمَكَتَيْنِ وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى الأَرْغِفَةَ لِلتَّلاَمِيذِ وَالتَّلاَمِيذُ لِلْجُمُوعِ.(متى14: 19)
ثالثا- دهنت بها: 1-رأسه: فهو الملك ,بل ملك الملوك و رب الأرباب (رؤ16:19) قال ف.ب. ماير في كتابه أسرار الحياة المسيحية :سلم كل قلبك لله نهائيا , ضع الذبيحة علي المذبح أن كنت لا تستطيع أن تعطي فأطلب منه أن يأخذ, لو لم يطلب من كل منا أن نعطيه قلوبنا لحق لنا أن نتردد في أن نعطيه بالكامل أمر تافه كهذا, لو لم يقصد أن يطلب مثل هذا الطلب لما طلبه, أن أعطيته قلبي فلا شك أنه يستطع أن يخلق من طبيعتنا التافهة الفقيرة أناء صالح مستعد لتمجيده و خدمته و سلاحا يمسكه بيده و تاجا لجبينه.
2-قدميه : فهو الله الذي ظهر في الجسد (1تي16:3)و الذي بموته فداني فهو بحق يستحق تقبيل قدميه (لوقا45:7) قال تشالرس إستاد : عرفت شيئا من موت المسيح لأجلي و لكنه لم يدر بخلدي أنه بذاك العمل اشتراني من آخر وهذا يعني إنني لم أعد لذاتي بل للذي اشتراني وهذا معني الفداء, فداني الرب بدمه لكي أكون له لا لذاتي ولا لأي شيء أو شخص آخر فلم يبق لي إلا أحد أمرين إما أن أكون لصا وأحتفظ بذاتي لذاتي وإما أن أكون أمينا فأقدم كل شيء عند قدميه ولما فهمت موت المسيح لأجلي لم يصعب علي أن اقدم الكل له فأن كان يسوع المسيح وهو الله الذي ظهر في الجسد قد مات لأجلي فليس من تضحية يحق لي أن ابخل بها عليه.
رابعا- مسحت قدميه بشعر رأسها: فأن كان شعر المرأة مجدها (1كورنثوس11: 15) فهي تضع مجدها عند قدمي السيد يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ (فيلبي11:2)
خامسا- امتلأ البيت من رائحة الطيب : التكريس له صورة خارجية ورائحة واضحة للآخرين فمكتوب: وَيُظْهِرُ بِنَا رَائِحَةَ مَعْرِفَتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ. لأَنَّنَا رَائِحَةُ الْمَسِيحِ الذَّكِيَّةِ لِلَّهِ (2كو14:2-15).
سادسا- لم ترد على المقاومين : مثل يهوذا ، وباقي التلاميذ فلقد علمها التكريس أن تكون مثل الرب يسوع الَّذِي إِذْ شُتِمَ لَمْ يَكُنْ يَشْتِمُ عِوَضاً وَإِذْ تَأَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُهَدِّدُ بَلْ كَانَ يُسَلِّمُ لِمَنْ يَقْضِي بِعَدْلٍ (1بط2: 23).
سابعا- صنعت هذا للتكفين : فهمت القيامة قبل الموت وقبل ما يفهمها الرسل ولم تضيع الفرصة مثل المجدلية التي أتت بالطيب لتكفن الرب بعد فوات الأوان بعدما قام الرب (مرقس16)
دعني أكرم أسمك وارفعه الآن لئلا تمضي الفرصة و ينتهي الزمان
فمريم وحدها قد فازت بالنيشان وطيب المريمـــات فاتـه الأوان
إن التكريس من أهم المبادئ لمعرفة فكر الله فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ. وَلاَ تُشَاكِلُوا هَذَا الدَّهْرَ بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ (رومية1:12و2)
لكن ماذا كان رأي الآخرين فيما فعلته مريم؟ بالطبع العالم والشيطان متمثلان في يهوذا الأسخريوطي وحتى للأسف المؤمنين الجسديين يرفضون التكريس, فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْ تلاَمِيذِهِ وَهُوَ يَهُوذَا سِمْعَانُ الإِسْخَرْيُوطِيُّ الْمُزْمِعُ أَنْ يُسَلِّمَهُ: «لِمَاذَا لَمْ يُبَعْ هَذَا الطِّيبُ بثلاثمائة دِينَارٍ وَيُعْطَ لِلْفُقَرَاءِ؟» قَالَ هَذَا لَيْسَ لأَنَّهُ كَانَ يُبَالِي بِالْفُقَرَاءِ بَلْ لأَنَّهُ كَانَ سَارِقاً وَكَانَ الصُّنْدُوقُ عِنْدَهُ وَكَانَ يَحْمِلُ مَا يُلْقَى فِيهِ, فَلَمَّا رَأَى تَلاَمِيذُهُ ذَلِكَ اغْتَاظُوا قَائِلِينَ: «لِمَاذَا هَذَا الإِتْلاَفُ؟(متى 26: 8) فَقَالَ يَسُوعُ: «ﭐتْرُكُوهَا. إِنَّهَا لِيَوْمِ تَكْفِينِي قَدْ حَفِظَتْهُ لأَنَّ الْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ».(يوحنا4:12-7) ما أرق الرب يسوع الذي يدافع عنك في تكريسك حتى أن لم يفهمك أقرب الناس إليك لقد دافع عنها إذ قال : اتركوها و اهتم بسلامها قائلا": لماذا تزعجوها ثم مدح عملها: عملت بي عملا حسنا وكشف أكذوبة الفقراء: الفقراء معكم في كل حين وكشف سر عملها : للتكفين حفظته وأوضح أنه ما أحلى أن تعطى كل ما عندها :عملت ما عندها , وكافأها عندما أعلن و أوصى : حينما يكرز بهذا الإنجيل في كل العالم يخبر أيضا بما فعلته تذكرا لها.أن العالم و المؤمنين الذين يسلكون بالجسد يعتبرون التكريس إتلاف لكن ما أعظم تقدير الرب له.
صلاة : أيها الرب يسوع إني أتوجك علي عرش قلبي واكسر كل غالي علي رأسك الذي تكلل بالشوك لأجلي وعلى قدميك التي ثقبتا بالمسامير عني وامسح بكل ما اعتبره غالي وتاج في حياتي قدميك الكريمتين و أقبلهما.آمين.
|