ربما فكرت في رحلة إلى الإسكيمو، هذا الجزء الجليدي من القطب الشمالي ..
لقد فكر في ذلك قبلك، بل وقرر أيضًا، أحد الشبان، ويُدعى "جان"، أن يفعل ذلك .. فسافر من أوربا إلى الإسكيمو وكان ذلك عام 1733 .. وبعد رحلة شاقة استغرقت أكثر من خمسة أشهر.
وصل جان إلى منطقة "جرين لاند" وبعدها تقابل مع السكان. ووجد أن شعب الإسكيمو، قصار القامة، وكانوا وقتها قصيري الإدراك أيضًا، علاوة على أنهم لا يعرفون للمحبة والشفقة معنى، بالإضافة لعاداتهم غير الحضارية (الهمجية). وكانت الخطية تسيطر عليهم سيطرة كاملة، فهم لم يكونوا يعرفون الله على وجه الإطلاق.
تحنن "جان" على هذا الشعب، وقرر أن يحدثهم عن الله. وبعد مجهود عنيف استطاع أن يفهم لغة الإسكيمو، فترجم لهم قصة الخليقة من الكتاب المقدس إلى لغتهم وظل يحكى لهم عنها. ثم بدأ في ترجمة قصة حياة المسيح وموته وقيامته ليعلمها للناس بعد قصة الخلق.
وفى أحد الأيام بينما كان جان على كرسيه يترجم قصة الصليب، إذ بباب الكوخ الذي يقيم فيه ينفتح بقوة عظيمة، ومئات من الإسكيمو يندفعون إلى داخل الكوخ وفى أيديهم آلات حادة للقتل .. وهنا ظن "جان" أن وقت الاستشهاد قد حان. وبينما هو يصلي في داخله طالبًا تدخل الله في الأمر، إذ برجال الإسكيمو يلتفون حول مكتب "جان" يقلبون الأوراق ويتفحصون القلم، ثم صاح زعيمهم الذي يُدعى "كليرتاك":
«إن "جان" يتبع الجان .. جان يتبع "الجان" الشياطين».
ثم أمسك "كليرتاك" إحدى الأوراق، وسأل "جان":
«ما هذه؟»
فحاول جان أن يفهمهم أن هذه العلامات السوداء التي على الورق ما هي إلا كلمات كتلك التي نستخدمها في الكلام. ظل الزعيم "كليرتاك" يتفحص الورقة جيدًا ثم سأل "جان":
«وهل تسمع هذه الأوراق أيضًا؟ .. وهل تتكلم؟»
أجابه الشاب: - «عندما تكتب الكلمات على الورقة تبقى هناك إلى أن تتلف الورقة»!
صاح الزعيم وهو يضحك:
- «حقًا إنه أمر عجيب!».
وأخذت الأوراق تنتقل من يد إلى يد، ثم فجأة صاح زعيم الإسكيمو:
«لديّ فكرة جيدة: دع الورقة إذن تتكلم .. دعها تتكلم لنسمع ما تقول».
عندها بدأ "جان" يقرأ مقتطفات من الأناجيل الأربعة. وعند قصة الصليب ساد السكون تمامًا، مما أخاف "جان"؛ لقد ظن أنهم يفكرون في مؤامرة جديدة. فرفع عينيه نحو الزعيم "كليرتاك" ليجد الدموع تنهمر من عينيه وهو يسأل "جان" وقد اختنق صوته:
- «ولكن لماذا عاملوا المسيح بهذه القسوة الغريبة؟ وهو، كما تقرأ، بهذه الوداعة؟»
وبدموع الفرح بدأ "جان" يشرح لشعب الإسكيمو قصة خلاص الله للبشرية. وعندها سأل الزعيم:
- «ولكن لماذا يسوع المسيح بالذات؟! .. أريد أن أعرف أكثر».
فبدأ جان يشرح رموز وإشارات العهد القديم ولا سيما الذبائح .. وذكر لهم الشروط الواجب توافرها في فادي البشرية وهو يقول:حيث أن الفدية للبشر، فهي لا تصلح أن تكون من الحيوانات .. فعلى الأقل لا بد أن تكون من البشر.
وبما أن هذه الفدية ستكون لكل الناس عبر العصور، فيجب أن تكون معادلة لكل هؤلاء الناس معًا.
لو كان الفادي من جنس غير جنسنا لما تمكن من فدائنا، فلا يصلح ملاك مثلاً.
ومع كونه واحدًا من جنسنا يجب أن يكون خاليًا من الخطية حتى يستطيع أن يفدي الخطاة.
بل ويجب أن يثبت بالدليل القاطع أنه مُنزّه عن هذه الخطية.
يجب أن يكون الفادي غير مخلوق لكي يكون من حقه تقديم نفسه فدية، وبما أنه سيقوم بإيفاء مطالب الله العادلة؛ فلابد أن يكون معادلاً لله نفسه.
وشرح لهم جان أن هذه الشروط لا تنطبق إلا على المسيح فقط.
فركع الزعيم على ركبتيه، ومن خلفه مئات من الإسكيمو ليسلموا حياتهم لهذا الفادي العجيب. وصار الزعيم "كليرتاك" خير معين في الخدمة "لجان"، واستطاع معه أن يترجما الكتاب كله لهذا الشعب المسكين.
صديقي .. صديقتي، إن شعب الإسكيمو قد قَبِل المسيح ليضمن السماء؛ فماذا أنت فاعل بهذا المصلوب؟ أخشى أن تكون قد سمعت عنه عشرات المرات ولكنك لم تَتُب عن خطاياك حتى الآن.
صلاة:
أيها الرب يسوع المعين،
يا من سفكت دمك الثمين
من أجل الملايين.
اغسلني وطهرني لأكون لك
فأعيش في سلام متين.
آمين.
زكريا استاورو
|