كتاب الطبَّاخ الصغير
أتت الساعة, وأدرك القبطان "يوحنا كوتس" أنها ساعة النهاية. ولكنه كان يعرف أنها ليست النهاية ولكنها البداية التي لا نهاية لها! إنها الأبدية. و رغم أن الخوف لم يداعب قلبه قط من قبل, فهو كقبطان كثيرًا ما واجه الأمواج والظلام بثبات ورباطة جأش, إلا أنها الساعة التي يرتعب منها أقوى الجبابرة إنها ساعة الموت.
التفت القبطان إلي صديقه القديم الحميم "وليم" وقال له:
«"وليم"، اركع على ركبتيك وصل لأجلي، لأنك تعرف أني شرير جدًا، وها أنا على وشك أن أفارق الحياة». أجاب وليم صديقه قائلا:
«أنا لم أُصَلِّ من قبل، لذلك لا أقدر ولا أعرف أن أصلي لأجلك الآن أيها القبطان».
«إذا أحضر الكتاب المقدس واقرأ لي منه جزءً، لعلي أذوق السلام في وادي الموت المظلم هذا»
ومرة أخرى أجابه "وليم":
- «صديقي القبطان، ليس عندي كتاب مقدس كما تعرف يا سيدي فأنا مثلك لا أبالي بالدين».
قال القبطان "لوليم":
«إذًا أرسل إلى "توما" ربما يستطيع أن يصلي لأجلي».
فجاء "توما" إلي القبطان الذي كان يحتضر فسأله:
«"توما"، أنا خائف لأني الآن أموت بلا رجاء، ويا له من رعب لم أشعر بمثله في كل ظروف حياتي, فاركع وصل لأجلي، واطلب من الله أن يرحم نفسي المظلمة». فقال "توما" والكلمات تتعثر بين شفتيه:
«سيدي القبطان، كنت أود أن أنال شرف هذا الامتياز، إلا أني لم أتعود الصلاة منذ طفولتي», ولما سأله القبطان إن كان عنده كتاب مقدس، أجاب بأسىً:
«للأسف، لا».
كان أحد البحارة يسمع المناقشة بين القبطان و"وليم" و"توما"، فقال للقبطان:
«سيدي القائد، لقد رأيت كتابًا يشبه الإنجيل بين يدي ولد طباخ صغير يدعى "متى"». فقال القبطان:
«أسرع إليه وأنظر إن كان معه إنجيلاً», فأسرع البحار إلي "متى" وسأله:
«يا "متى"، هل عنك إنجيل؟». أجاب "متي":
«نعم عندي كتاب مقدس، ولكني لا أقرأ فيه إلا في وقت فراغي، فهو لا يعطلني عن عملي». أجابه البحار:
«أحضر كتابك المقدس وهيا معي سريعا إلي القبطان».
حمل "متى" الكتاب المقدس وذهب مرتعبًا إلي حجرة القبطان ظانا أنهم سيقتلونه بسبب كتابه المقدس، إلا أن القبطان سريعًا ما سأله:
«هل عندك كتاب مقدس يا بني؟» أجابه:
«نعم يا سيدي القبطان». فقال له:
«تعال اجلس بجواري وفتش واقرأ لي جزءً من الكتاب المقدس يتحدث عن رحمة الله وغفرانه لخاطئ مثلي»,
ذهل "متي" من هول المفاجأة؛ فصحيح أنه مسيحي حقيقي، ولكنها أول مرة بالنسبة له يتعرض لمثل هذا السؤال ولا سيما من القبطان نفسه, قائد السفينة, إلا أنه صلى سريعًا في داخله وطلب من الرب الإرشاد، وعندها تذكر أن أمه قبل أن يترك بلده حفظته الأصحاح الثالث والخمسين من سفر إشعياء. فتح "متى" الأصحاح الذي هو نبوة رائعة عن عمل الرب الكفاري على الصليب وابتدأ يقرأ حتى وصل للعدد الخامس الذي يقول: {وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا} وركز القبطان في الآية وكأنه كان يدرك أنها آخر كلمات رجاء يمكن أن يسمعها قبل موته، وقال لمتى:
«توقف هنا يا إبني، إن في هذه الآية كلام يمكن أن أنال به الخلاص. اقرأه ثانية بهدوء!» فأعاد "متى" قراءة الآية بتأني: {وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا} وعندما رأي "متى" تأثُّر القبطان "يوحنا كوتس" قال له:
«سيدي القبطان، لقد علمتني أمي أن أضع اسمي في هذه الآية». فأجابه علي الفور:
«كلا! بل ضع اسم قبطانك فيها علي الفور يا ابني الحبيب»,
وبكل وقار وتواضع أخذ "متى" يقرأ الآية هكذا:
«وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصي "يوحنا كوتس" مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَام "يوحنا كوتس". تَأْدِيبُ سَلاَم "يوحنا كوتس" عَلَيْهِ وَبِحُبُرِهِ شُفِي "يوحنا كوتس"».
تهلل القبطان وقال "لمتى":
«كفى يا ولدي، الآن تقدر أن تنصرف، الآن امتلأ قلبي بالسلام المبني علي جراحات المسيح عني»
وكرر القبطان الآية مرات ومرات واضعًا اسمه فيها, وقبل أن يرقد "يوحنا كوتس" ويلف جسده بالقماش ويوضع علي لوح خشبي ليُلقَي به في البحر حسب قوانين السفن، ظل يشهد لكل شخص بالسفينة عن الرب يسوع وكيف أن الإيمان بموته وجراحه هو الوسيلة الوحيدة للسلام مع الله والسلام تجاه الأبدية.
قارئي العزيز .. قارئتي العزيزة، سيأتي الرب يسوع قريبًا ليخطف المؤمنين به للسماء ويغير أجساد الراقدين، قبل أن يتم القول: {وَسَلَّمَ لْبَحْرُ لأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيهِ، وَسَلَّمَ لْمَوْتُ وَلْهَاوِيَةُ لأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيهِمَا. وَدِينُوا كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِ. وَطُرِحَ لْمَوْتُ وَلْهَاوِيَةُ فِي بُحَيْرَةِ لنَّارِ. هَذَا هُوَ لْمَوْتُ لثَّانِي. وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مَكْتُوبًا فِي سِفْرِ لْحَيَاةِ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ لنَّارِ} (رؤيا13:20-15).
أما جسد "يوحنا كوتس" فسيكون قبل ذلك قد اختطف مع المسيح. كما هو مكتوب {هُوَذَا سِرٌّ أَقُولُهُ لَكُمْ: لاَ نَرْقُدُ كُلُّنَا وَلَكِنَّنَا كُلَّنَا نَتَغَيَّرُ فِي لَحْظَةٍ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ عِنْدَ لْبُوقِ لأَخِيرِ. فَإِنَّهُ سَيُبَوَّقُ فَيُقَامُ لأَمْوَاتُ عَدِيمِي فَسَادٍ وَنَحْنُ نَتَغَيَّرُ لأَنَّ هَذَا لْفَاسِد (جسد المؤمنين الذين رقدوا ففسد جسدهم) لاَ بُدَّ أَنْ يَلْبَسَ عَدَمَ فَسَادٍ وَهَذَا الْمَائِتَ (جسد المؤمنين الأحياء فهو جسد معرض للموت) يَلْبَسُ عَدَمَ مَوْتٍ. وَمَتَى لَبِسَ هَذَا لْفَاسِدُ عَدَمَ فَسَادٍ وَلَبِسَ هَذَا الْمَائِتُ عَدَمَ مَوْتٍ فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ الْكَلِمَةُ لْمَكْتُوبَةُ: «ابْتُلِعَ لْمَوْتُ إِلَى غَلَبَةٍ». أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟} (1كورنثوس51:15-55) {.. لسَّمَاوَاتِ، الَّتِي مِنْهَا أَيْضًا نَنْتَظِرُ مُخَلِّصًا هُوَ لرَّبُّ يَسُوعُ لْمَسِيحُ، الَّذِي سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ، بِحَسَبِ عَمَلِ اسْتِطَاعَتِهِ أَنْ يُخْضِعَ لِنَفْسِهِ كُلَّ شَيْءٍ} (فيلبي20:3و21) فهل تحتمي الآن في هذه الجراحات مع "يوحنا كوتس" الآن وتصلي معي وانت تقرأ هذا الكتاب؟ ..
صلاة:
يا ربي يسوع المسيح ,
يا من صلبت لأجل خاطئ نظيري جريح,
أرتمي الآن عند قدميك لاستريح,
لأقدم لك طوال الأبدية المديح والحمد التسبيح
آمين
زكريا استاورو
|