التَفَتُّ إليه!
في الغالب أنت قد سمعت عن أمير الوعاظ الشهير "تشارلس هادون سپرچن" Charles Haddon Spurgeon الذي وُلد في "كلفيدون ايسيكس" Kelvedon, Essex بإنجلترا في يوم 19 يونية 1834، ووزعت ملايين من عظاته في العالم كله. وخدم الرب بأمانة لأكثر من 42 عامًا. وذهب ليكون مع الرب يسوع المسيح، الذي أحبه وخدمه، إلى السماء في يوم الأحد 31 يناير 1892.
لكن كيف تعرف سپرچن على الرب يسوع وقبله كمخلص وفادِ؟ للإجابة على هذا السؤال ساقتبس لك بعض العبارات كما كتبها هو في مذكراته، حيث قال:
كنت أشعر بالحزن والاكتئاب بسبب خطاياي لمدة خمسة أيام متتالية، وساعتها كانت المدارس قد أُغلقت لانتشار حمى وبائية بين السكان. وفي صباح يوم الأحد الموافق 6 يناير 1850م كنت في طريقي للكنيسة التي تعودت الذهاب إليها، ولكن لما كانت هناك عاصفة ثلجية رعدية شديدة، استعجبت جدًا لماذا يسمح الله بهذا الطقس الرهيب وأنا متجه لأعبده! ولما لم أتمكن من الذهاب للكنيسة بسبب العواصف والثلوج لمحت مبنى صغيرًا توقفت عنده واقتربت إليه، فعرفت أنه مكان يجتمع فيه بعض المسيحيين، فدخلت لأحتمي من الثلوج، وكان بالدخل خمسة عشر شخصًا يترنمون للمسيح. وبعد انتهاء الترنيم تقدم شخص إلى المنبر الصغير بالصالة، وكان يبدو من ملابسه أنه إنسان فقير، ربما كان صانع أحذية أو خياط أو مثل ذلك، وقال:
«لقد تغيب القسيس اليوم بسبب الثلوج، لكن الرب يسوع لم يتغيب وهو حاضر الاجتماع معنا، ورغم أني لا أجيد الوعظ وربما أخطيء في القراءة باللغة الصحيحة، لكني سأقرأ آية من الكتاب المقدس».
وفتح الكتاب وقرأ الآية: {اِلْتَفِتُوا إِلَيَّ وَاخْلُصُوا يَا جَمِيعَ أَقَاصِي الأَرْضِ لأَنِّي أَنَا الله وَلَيْسَ آخَرَ} (إشعياء45: 22) وقال :
«فقط انظر! إن الأمر لا يحتاج لمجهود؛ فالله لا يقول لك: ارفع يدك، أو حرك رجلك، لكن فقط: انظر. ولا يحتاج الإنسان أن يذهب للمدرسة أو للجامعة ليتعلم كيف ينظر .. قد تكون أغبى إنسان على الأرض، ومع ذلك تستطيع أن تلتفت. حتى الطفل يستطيع أن ينظر. والأمر لا يحتاج سنين لكي تنظر. إن النظرة تتم في الحال. لكن الرب يقول: {اِلْتَفِتُوا إِلَيَّ}. انظر الآن للمسيح بإيمان .. الجميع ينظرون لأنفسهم .. لن يجد الإنسان الرجاء للأبد إن نظر بداخله أو من حوله أو تحت قدميه، لكن الآية تقول: {اِلْتَفِتُوا إِلَيَّ}. انظر الآن للمسيح لجنبه الجريح. إنه يناديك ويقول: انظر إلى الدماء التي سالت مني لأجل فدائك. إلتفت لي وأنا معلق على الصليب بدلاً منك، وأنا أُكفن وأُدفن في القبر لأجلك. انظر لي .. لقد قمت من بين الأموات وجلست في يمين العظمة في السماوات مكللاً بالمجد والكرامة».
ولأني كنت الضيف الوحيد الغريب في المكان، وكانت علامات الحزن والشقاء تظهر على وجهي، كرر الرجل الآية أكثر من مرة، ثم كلمني مباشرة قائلا:
«أيها الشابُّ، تبدو حزينًا جدًا. انظر للمسيح الآن وإلا ستكون بائسًا ويائسًا. الآن وطوال حياتك ستكون بائسًا ويائسًا في موتك وإلى الأبد أيضا. لن تتمتع بالسلام ولا الفرح إلا أن إلتفتَّ إليه, انظر إليه فإن نظرتَ إليه الآن حتمًا ستتمتع بالخلاص وغفران الخطايا والفرح».
ومرة أخرى صرخ بصوت عظيم وسلطان الروح القدس وكانه يأمرني:
«أيها الشابُّ، انظر الآن للمسيح»
وعندها في الحال نظرت من أعماقي للمسيح، فزالت الظلمة من نفسي حالاً، وفي هذه اللحظة أشرقت الشمس بقوة في داخلي، وامتلأت بالفرح الشديد والسلام الغامر، وهتفت ورنمت بنشاط أكثر من أي متحمس من الإخوة الخمسة عشر المجتمعين. وظللت أشكر الرب يسوع على عمله ودمه الكريم الذي سُفك لأجلي.
صديقي القاريء العزيز .. صديقتي القارئة العزيزة، هذه كانت مقتطفات من اختبار "تشارلس سپرچن"، أمير الوعاظ، الذي نظر للمسيح فتغيرت حياته. فهل نظرت أنت إليه؟
لقد قال الرب يسوع المسيح وهو يُوضِّح "لنِيقُودِيمُوس" معنى الولادة من فوق: {وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ الله الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ} (يوحنا3: 14-16)
إن الحية النحاسية التي كان كل من نظر إليه يحيا (عدد21: 4-9) هي صورة لما احتمله الرب يسوع على الصليب، وهذه بعض أوجه المقارنة بين الحية النحاسية والرب يسوع على الصليب:
بعد لدغ الحية الأرضية: فكما لدغت الحيات المحرقة الشعب، هكذا دخل سُمّ الخطية في البشر بعدما أكل الإنسان من الشجرة الممنوعة، عندما خدعت الحية حواء (تكوين 3: 15) لهذا تجسد ووُلد المسيح: {فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذَلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ} (عبرانين 2: 14).
رفعـت على راية: ليراها كل البشر. هكذا رفع المسيح على الصليب معلقا بين السماء والأرض, {وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ أَصْلَ يَسَّى الْقَائِمَ رَايَةً لِلشُّعُوبِ إِيَّاهُ تَطْلُبُ الأُمَمُ} (إشعياء 11: 10) {فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «مَتَى رَفَعْتُمُ ابْنَ الإِنْسَانِ فَحِينَئِذٍ تَفْهَمُونَ ... وَأَنَا إِنِ ارْتَفَعْتُ عَنِ الأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَيَّ الْجَمِيعَ»} (يوحنا8: 28و12: 32 )
دخلت النار وطُرقت: وهكذا احتمل المسيح نيران أجرة خطايانا على الصليب. اسمعه يقول بروح النبوة: {صَارَ قَلْبِي كَالشَّمْعِ. قَدْ ذَابَ فِي وَسَطِ أَمْعَائِي} (مزمور 22: 14) {مِنَ الْعَلاَءِ أَرْسَلَ نَارًا إِلَى عِظَامِي فَسَرَتْ فِيهَا} (مراثي 1: 13)
من النحاس وليس الذهب: النحاس رمز لاحتمال دينونة. فمنه كانت تصنع سلاسل المجرمين، والمذبح الذي كانت تحرق عليه الذبائح كان من النحاس. لقد احتمل المسيح دينونتنا, {إِذًا لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ} (روميه 8: 1)
حية وليست حمامة: فالحية أول من لعن على الأرض (تكوين3:14) والمسيح صار لعنة لأجلنا (غلاطية 3: 13)
لم تؤذ أحدًا: الرب يسوع {الَّذِي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ، الَّذِي إِذْ شُتِمَ لَمْ يَكُنْ يَشْتِمُ عِوَضًا، وَإِذْ تَأَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُهَدِّدُ بَلْ كَانَ يُسَلِّمُ لِمَنْ يَقْضِي بِعَدْلٍ. الَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ، لِكَيْ نَمُوتَ عَنِ الْخَطَايَا فَنَحْيَا لِلْبِرِّ} (1بط 2: 23)
تشفي بالنظر: {اصْنَعْ لكَ حَيَّةً مُحْرِقَةً وَضَعْهَا عَلى رَايَةٍ فَكُلُّ مَنْ لُدِغَ وَنَظَرَ إِليْهَا يَحْيَا} (عد21: 8) فهل تنظر إليه الآن؟
صلاة:
يا من رفعت بدلاً مني كالحية النحاسية ..
في أعظم قصة فداء حقيقية ..
أشكرك لأنك أظهرت لي المحبة الإلهية ..
استلم حياتي وانقذني من النيران الأبدية،
واستخدمني لمجدك طوال أيامي الباقية ..
آمين.
زكريا استاورو
|