رأيتُها في "تورنتو" في صيف عام 2003م، ولن أنسى أبدًا الفرح والسلام الحقيقي الذي كان يشع من وجهِهَا، رغم الآلام الشديدة التي كانت تعاني منها "جريس سمير حليم توفيق" Grace Samir Halim Tawfik ووقتها دوت في داخلي بشدة الآية التي عرفتها منذ زمان بعيد: {اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَّوِعَةٍ} (يعقوب1 :2)
وُلدت "جريس" في "تورنتو" بكندا في يوم 20-11-1989م في بيت مسيحي حقيقي، من أبوين تقيين، وكانت - وهي الأكبر بين أخويها - تواظب معهم منذ نعومة أظافرها على سماع كلمة الله والصلاة، سواء في البيت أو في الكنيسة. ولكنها رغم تدينها عرفت "جريس" احتياجها إلى التقابل الشخصي مع الرب يسوع المسيح ليخلصها من خطاياها، فسلمته حياتها، وتمتعت بالولادة الجديدة من فوق، وكان ذلك في يوم 20-11- 2001م.
وهذه مقتطفات مما كُتب عن "جريس" في الكتاب السنوي لمدرستها:
«أنهت "جريس" الصف الثامن (أي الثاني الإعدادي) بدرجة امتياز. كانت "جريس" الفتاة الجميلة، بطبيعة تكوينها الحلو, ومحبوبة جدًا من كل زملائها, كان وجهُهَا يشعّ بدفء غير عادي، وحيوية. وكانت ابتسامتها الجذابة تضفي على الدوام تألقًا لعينيها الرقيقتين، وكانت حياتها تتفتح كزهرة».
كان كل شيء يسير على ما يُرام في حياة "جريس"، إلى أن جاء يوم في مستهل شهر يوليو (تموز) عام 2003م، ولكي أكون دقيقًا سأكتب لك ما كتبته "جريس" نفسها في مذكراتها الشخصية عما حدث:
«بعد التخرج من الصف الثامن، كنت أتطلع إلى العُطلة الصيفية، ولم يكن يخطر ببالي أبدًا أن ذلك الصيف سوف يغير مجرى حياتي. لقد فكرَت أسرتي في قضاء رحلة في جبال "روكي" بغرب كندا هذا الصيف، ولكن في مستهل شهر يوليو عام 2003م بدأت أشعر بالتعب كل يوم، والفحوصات الأولى لم تُظهر أن عندي أية مشكلة، ولكن التعب زاد وبدأت أشعر بنوبات من الألم الحاد في بطني وأسفل ظهري ورِجلي، غير أني ما كنت أتوقع أبدًا وجود أي شيء خطير.
لكن الفحوصات أظهرت وجود ورم حول العمود الفَقَري، وبدأ الطبيب يستعد لإرسالي إلى مستشفى "تورنتو" للأطفال. وبسرعة ازداد الألم حِدة بحيث أصبحت حركتي محدودة. وفي المستشفى أجريتُ فحوصًا عديدة، وما بين الفحوصات عمليات جراحية أيضًا. وعندها صدقت الأخبار التي تقول أنه يوجد ورم سرطاني على عمودي الفَقَري.
في البداية أحسست بشعور من الاضطراب والحزن والإحباط والفزع، وأنا أحاول أن أستوعب ماهية ما يحدث, أعلم أن الله سمح بحدوث هذا، ولكن لم أعرف لماذا سمح الله بهذا! ومع ذلك لم أشعر قط بالثورة على الله مثل كثير ممن يلومون الله على منغصات الحياة.
بالطبع كنت حزينة وأشعر كثيرًا بالاضطراب، ولكن شكرًا لله؛ لقد أعطاني السلام حتى أتقبل الوضع. وكان عليَّ أن أعاني من تأثير العلاج الكيماوي والعلاج بالإشعاع! وقبل أية جلسة مع الطبيب كنت أصلي مع أبي وأمي! أعترف بأني كنت أشعر بالاضطراب في بعض الأحيان إلى حد البكاء، ولكن في أعماقي كان يغمرني شعور قوي بالسلام, وشكرت الله لوجودي في مستشفى ممتاز وكنت أصلي أكثر وأكثر في الأسابيع التالية.
وحيث أني كنت مقيمة في المستشفى طوال الصيف، كان لديَّ المزيد من الوقت لقراءة الكتاب المقدس كل يوم، وصارت علاقتي بإلهي أقوى وأقوى، وصرنا هو وأنا أقرب جدًا عن ذي قبل، وكلما كنت أصلي كنت أشعر بالراحة والسلام.
في بعض الأحيان كانت تهاجمني أفكار .. «لماذا؟» .. «ولماذا أنا بالذات؟»، ولكن كم شجعني الرب من خلال الآية: {وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ} (رومية8: 28). ولقد ساعدني الله في اجتياز السنة التاسعة بعلامات جيدة. ولا أنسى مساعدة زملائي ومعلمي. ولا يمكن أن أتصور أن يجتاز أي إنسان هذه الأحداث بدون الرب يسوع المسيح، لهذا فكل ما استطيع عمله الآن هو الصلاة، وإني أستند على الرب فيما تبقى».
هذه المذكرات كتبتها "جريس" على فراش المرض في شهر سبتمبر 2004م، والعنوان الذي اختارته "جريس" لهذا الموضوع في كتابها السنوي المدرسي هو: {أَيْضًا إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي} (مزمور23: 4).
وفي يوم 16 أكتوبر عام 2004م قال لها الطبيب:
- «لا يوجد شيء آخر نستطيع أن نفعله لك، سوى محاولة تخفيف آلامك الشديدة».
وعندها كتبت "جريس" في مذكراتها:
«يا رب أنا أقبل مشيئتك، وأشكرك على كل ما فعلتَه معي. أنا أريد أن أشفى، ولكن ربما أنت تريدني أن أكون معك في أي يوم قريب. يا رب، أنا أقبل مشيئتك. يا رب، قد سرتَ معى وأنا في درب المرض خلال سنة وما يقرب من ثلاثة أشهر. والآن ساعدني يارب لكي أرى كتاب المدرسة السنوي الجديد، أنا متلهفة أن أراه. أعطني أسبوعين من فضلك ..!»
ولقد استجاب الرب "لجريس"؛ واستطاعت أن ترى الكتاب السنوي. وفي الأول من نوفمبر عام 2004م تمامًا، وقبل عيد ميلادها الخامس عشر، انطلقت لتكون مع حبيبها وفاديها الرب يسوع المسيح.
عزيزي القاريء .. عزيزتي القارئة، بعد ذهاب "جريس" للسماء، سمعتُ أباها يشهد عن السلام الذي كانت تتمتع به رغم هول الألم، ورأيت العشرات الذين أتوا للمسيح من خلال هذه الشهادة. ولقد طُبِعَت قصة "جريس" كنبذة، وُزع منها عشرات الآلاف. والكثير من المواقع على شبكة الأنترنت ما زالت تحكي عن إيمان "جريس" التي انطبق عليها بصدق: {وَإِنْ مَاتَ يَتَكَلَّمْ بَعْدُ!} (عبرانيين11 :4).
حقًا زهرة "تورنتو" مازالت تشهد, وكما قالت: «لا يمكن أن أتصور أن يجتاز أي إنسان هذه الأحداث بدون الرب يسوع المسيح»، أقول أنا لك: «لا يمكن أن أتصور أن يواجه إنسان مفاجأة الموت إلا بالمسيح»، فهل تأتي وتصلي معي الآن؟
صلاة:
يا من أبطلت الموت وأنرت الخلود ..أنت هو الحياة وأنت رحيق الوجود ..أسلمك حياتي فخلصني لأخدمك وأعبدك إلى أن تعود. آمين
زكريا استاورو |