كان "تشارلس داك" رائد الفضاء الأمريكي الشهير، يقود مركبة الفضاء أبوللو 16 وهو يبلغ من العمر 34 عامًا في عام 1972، حيث كان يرافقه في تلك الرحلة رائدا الفضاء "جون يانج" و"ماتنجلي".
وما أن انطلقت المركبة وابتعدت عن الأرض قليلاً حتى صار يُمتع عينيه بجمال الأرض في دهشة وإثارة، وكان بوسعه أن يرى شرق الولايات المتحدة؛ فهذه فلوريدا، وكوبا، وجزائر الباهاما، وبعد هذا أمكنه أن يرى القارات المختلفة، كما رأى الصحراء الصفراء والبحار الزرقاء والغيوم البيضاء وأشعة الشمس في السماء. وعندما اقتربوا إلى القمر بدا كمكان ساحر الجمال ليقضوا عدة أيام في مداره وأخرى على سطحه. ولقد كان هذا الجمال الأخاذ لهذا المنظر المتعدد الأشكال والألوان ساحقًا في روعته، فحفر في نفس "تشارلس داك" معانٍ لا يمكن أن تُمحى أبدًا.
وإذ اقتربوا إلى القمر، كانت البقعة التي قرروا أن يجعلوها مهبطًا لهم تشبه واديًا رائعًا كالذي نراه على أرضنا بين شوامخ الجبال. كانت الأوقات التي أمضاها "داك" ورفقاؤه على سطح القمر من أكثر أوقات عمره حماسًا وإثارة، رغم الصعوبات التي سبَّبَها انعدام الوزن، في الرئتين والقلب والعظام وسائر أجزاء الجسم نتيجة لارتفاع سوائل الجسم إلى أعلى وما ينتجه ذلك من مضاعفات. ومع أن "تشارلس" كان في ذلك الوقت لا يؤمن بوجود الله رغم كل هذه الإثارة والروعة. وإذ بسؤال يقتحم عقله: «تُرى ماذا وراء هذا الكون الفسيح العجيب الذي يتعدى معرفة عقل أذكى العلماء ورؤية أكبر التلسكوبات؟» وسريعًا تذكر ما قاله "يوري جاجارين" أول رائد فضاء سوفيتي، حينما قال: «لقد فتشت عن الله في الفضاء الشاسع، ولكنني لم أجده!» وعندها شعر "تشارلس" ببهتان وغباء كلمات "جاجارين"، وقال لنفسه: «إن أبسط عاقل وأصغر طفل لن يصعب عليه أن يعرف أنه لا بد أن تكون هناك قوة عُظمى وراء هذا الكون العظيم». وعندها تذكر "داك" ما فعله "أرمسترونج" أول رائد فضاء أمريكي تطأ قدماه سطح القمر، حين وضع هناك الكتاب المقدس كأول وأعظم ما وُضع على سطح القمر.
بدأ "تشارلس" يشعر بالحيرة والقلق بل والخوف أيضًا، ولكنه أفاق من أفكاره هذه وقرر أن ينسى كل هذا حالاً، ومهما كلّفه ذلك، فهو الآن على سطح القمر في أخطر وأهم رحلة في عمره. وحاول أن ينسى، حتى عاد بسلام إلى الأرض.
أصبح الرجل مشهورًا جدًا فساعده ذلك على أن يكون من أنجح وأغنى وأهم رجال الأعمال في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن هيهات؛ فكلما حاول أن يهرب من الجوع والخواء والحطام الداخلي، كان عطشه يزداد. نعم! لقد ذهب إلى القمر وخزَّن الذهب لطول العمر، ولكن في قلبه كانت أغوار ساحقة من الفراغ أبعد وأعمق وأطول من كل رحلات الفضاء التي قضاها. وجعله القلق لا ينام، بل وفي حزنه كم من المرات كانت دموعه تسيل وكلما حاول أن يقاوم أو ينسى السؤال الذي اقتحم عقله على سطح القمر، كان هذا السؤال يزداد إلحاحًا وقوة: «تُرى ماذا وراء هذا الكون العجيب؟ وما هي القوة الخالقة والحافظة لهذا الإبداع اللانهائي؟» ثم زادت الأسئلة سؤالاً: «ماذا بعد الموت؟». وما أن تذكر مرة أخرى كلمات "جاجارين" وكتاب "أرمسترونج" المقدس حتى شعر بنور قوي يسطع بداخله في حلكة ظلامه .. «نعم، سأبحث عن هذه الأسرار في الكتاب المقدس؛ فإن ارتحت وارتويت كان هذا هو كتاب خالق الأكوان والإنسان، أما إن لم يرحني فسأتبع نظرية جاجارين!!»
أخذ "تشارلس داك" يحلق في أجواء الكتاب المقدس، بنفس حماس تحليقه في الفضاء، بل كان أكثر جدية ورغبة في سرعة اكتشاف أسراره وكنوزه. وفي أولى صفحات الكتاب عرف من هو الخالق «في البدء خلق الله السماوات والأرض»، وأيام الخليقة، وما أن وصل إلى مزمور 3:8 وردَّدَ {إذا أرى سماواتك عمل أصابعك القمر والنجوم التي كونتها، فمن هو الإنسان حتى تذكره وابن آدم حتى تفتقده؟!} حتى شعر "داك" بضآلته وحقارته رغم كل ثرائه وشهرته. ثم حفظ عن ظهر القلب مزمور 19 الذي يبدأ بالآية: «السموات تُحدّث بمجد الله والفلك يُخبر بعمل يديه» وعندما قرأ مزمور 1:53 {قال الجاهل في قلبه: «ليس إله»} كتب بقلمه الرصاص اسم "يوري جاجارين" بجوار هذه الآية ولما قرأ "تشارلس" الأناجيل، أضاء أمامه السبيل، وعند الصليب العجيب وأقدام المسيح الحبيب ركع "داك" وطلب من الفادي أن يغسله بدماه من كل خطاياه وجهل الماضي، وفي الحال سقط حمل الخطية والخوف من على كاهل "تشارلس داك"، ذلك الحِمل الذي كان أكثر من كل الرمال، وأثقل من جبال القمر وتلال كل الأفلاك التي رآها، والتي لم يرها. وأستُبدل قلق وآلام "داك" بالفرح والسلام، بل وأيضًا بالهيام، ولاسيما منذ قراءته عن الاختطاف ورحلتنا على السحاب ثم إلى بيت الآب (يوحنا 1:12-3 ، 1كورنثوس51:15-58 ، أفسس 17:4) وسفر الرؤيا ولا سيما أصحاحي (21 ،22) وعندما عرف أن رحلة الاختطاف على السحاب ستكون في لحظة في طرفة عين (حوالي 1|52 من الثانية) أطلق "تشارلس داك" على الاختطاف لقب (أسرع رحلة فضاء)، وظل يردد دائمًا: {آمين تعال أيها الرب يسوع} (رؤيا 25:22).
وفي عام 1989 زار "تشارلس داك" القاهرة، وأعلن في تصريحاته الصحفية «كان رجوعي إلى الله عقب الرحلة أكثر إثارة وفرح لي إذا قارنته بوصولي للقمر بدون معرفتي لله!!». وعندما سأله أحدهم: «ماذا كنت تود أن تقول لسكان الأرض وأنت على سطح القمر؟» أجاب: «لو كنت أعرف الله وقتها لقلت لكل البشر أن السير مع الرب يسوع أروع بما لا يُقاس من السير على سطح القمر، وأن الرحلة إلى السماء ستكون بالطبع أجمل وأكثر إثارة من أحلى رحلة فضاء».
صديقي .. صديقتي، لقد اكتشف العلماء منذ شهور قليلة وبالتحديد في سبتمبر 1995 مجرَّة جديدة قالوا أنها تبعد عن الأرض آلاف السنين الضوئية. ولكنهم لم ولن يصلوا إلى نهاية هذا الكون الفسيح الذي يُخبر بعمل يدي الله العظيم. ولكن هل تعرف عزيزي أن الله وإن كان قد خلق الكون بكلمة (مزمور 9:33) لكن أمر خلاصنا جعله يتجسد، {لكي يذوق (الرب يسوع) بنعمة الله الموت لأجل كل واحد} (عبرانيين 9:2). لذلك أدعوك الآن أن تبدأ معي ومع "تشارلس داك" وملايين البشر عبر آلاف السنين هذه الرحلة، مع وفي الرب يسوع الذي قال: {«أنا هو الطريق ... ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي»} (يوحنا 6:14) وسيأتي قريبًا جدًا ليخطفنا على السحاب إلى بيت الآب في أروع وأسرع رحلة فضاء.
صلِّ معي الآن:
يا خالق الأكوان، أدعوك الآن لتُروي قلبيَ الظمآن، وتريحني من كل الخطايا والأحزان، أنتظرك الآن لأبدأ معك رحلة المجد والآمان .. آمين.
زكريا استاورو |